هل ينخفض منسوب التوتر بين القاهرة والخرطوم؟

منذ حديث الرئيس المصري، بعد الفتاح السيسي، بشأن علاقات بلاده مع كل من السودان وإثيوبيا، تتصاعد تساؤلات بين السودانيين بشأن إن كانت التوترات بين الخرطوم والقاهرة تتجه نحو التهدئة أم أن التصعيد لا زال قائما.
 
ففي أول تعليق رسمي مصري على أنباء عن حشود عسكرية مصرية في إريتريا قبالة حدود السودان، قال السيسي، الإثنين الماضي: إن "مصر لا تحارب أشقاءها.. وأؤكد لكم يا مصريين، وأقوله للأشقاء في السودان وإثيوبيا، مصر لا تتآمر ولا تتدخل في شؤون أحد".
 
هذا الخطاب وصفه سياسي سوداني بـ"الإيجابي"، رافضا في الوقت نفسه أي "إملاءات خارجية"، لا سيما بشأن علاقة بلاده بتركيا، فيما دعا نائب برلماني البلدين إلى انتهاج "المعالجات السلمية للقضايا العالقة" بينهما.
 
بالمقابل، استبعد محلل سياسي سوداني التهدئة حاليا، طالما لا تزال مسببات التوتر قائمة، فيما اتهم سياسي سوداني الحكومتين بافتعال مشكلات خارجية لـ"التهرب من استحققات داخلية"، محذرا البلدين من "حافة الهاوية"، إذا تدخلت أطراف خارجية لتصفية حسابات في المنطقة.
 
وبين الجارتين السودان ومصر ملفات خلافية عديدة، أبرزها: النزاع على مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودي، والموقف من سد "النهضة" الإثيوبي، واتهامات سودانية للقاهرة بدعم المتمردين المناهضين للرئيس السوداني، عمر البشير، وهو ما نفته القاهرة مرارا.
 
ومنذ استدعاء سفيرها من القاهرة، 5 الجاري، يتصاعد التوتر بين السودان ومصر، إذ أغلقت الخرطوم، في اليوم نفسه، المعابر الحدودية مع إريتريا (شرق)، وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى ولاية كسلا الحدودية مع إريتريا.
 
ومرتديا زيه العسكري، شدد الرئيس السوداني، عمر البشير، الأسبوع الماضي، على أن قوات بلاده جاهزة لـ"صد المتآمرين والمتربصين والمتمردين"، دون أن يحددهم.
 
لكن مساعده، إبراهيم محمود، أوضح، في اليوم نفسه، أن بلاده تتحسب لتهديدات أمنية من جارتيها مصر وإريتريا، بعد رصد تحركات عسكرية للدولتين في منطقة ساوا الإريترية المتاخمة لولاية كسلا.
 
** رفض الإملاءات الخارجية
 
خطاب الرئيس المصري بشأن الجارتين، السودان وإثيوبيا، وصفه الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي السوداني (شريك في الحكومة)، الأمين عبد الرازق، بـ"الإيجابي".
 
وأضاف عبد الرازق، في حديث للأناضول: "نحن كحزب مشارك في الحكومة نعمل بكل جهدنا على تحقيق الأمن والسلم داخل البلاد وخارجها".
 
لكنه استدرك بقوله: "نرفض قبول الحكومة السودانية أي إملاءات خارجية.. نطور علاقتنا مع تركيا وأي دولة أخرى.. نحن دولة منفتحة على كل العالم، إلا دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل)".
 
وزار الرئيس، رجب طيب أردوغان، الخرطوم، الشهر الماضي، في أول زيارة لرئيس تركي منذ استقلال السودان، عام 1956، واتفق مع البشير على إعادة إعمارة جزيرة سواكن التاريخية السودانية على البحر الأحمر.
 
هذا الاتفاق أثار انتقادات في وسائل إعلام عربية اعتبرت أن الوجود التركي في سواكن يمثل تهديدا للأمن القومي العربي، وهو ما رفضته الخرطوم.
 
وتابع عبد الرزاق: "مصر انزعجت جداً من اتفاق الحكومة السودانية ونظيرتها التركية حول جزيرة سواكن، رغم إعلان أنقرة والخرطوم أن أغراض الاتفاق تنموية وسياحية وترميم آثار تعود إلى فترة الدولة العثمانية".
 
ومضى قائلا: "دول إريتريا والإمارات ومصر تتعامل مع السودان، كحلف له مصالحه.. الإمارات لها وجود عسكري معلن في قاعدة عصب المطلة على الجزء الجنوبي من ساحل البحر الأحمر في إريتريا".
 
وشدد على أن "حكومة الوفاق الوطني (السودانية) أقرت عبر برنامجها للسياسة الخارجية الانفتاح على كل الدول ورفض سياسة الأحلاف".
 
ويردد منتقدون أن زيارة أردوغان للخرطوم جاءت ضمن تحركات لإقامة حلف يجمع تركيا والسودان وقطر.
 
وقال وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في 26 ديسمبر/ كانون أول الماضي: "لم نكن في يوم من الأيام طرفًا في حلف، ولا نؤمن بسياسة الأحلاف، فنحن منفتحون على أشقائنا في كل العالم، أفارقة وعرب ومسلمين".
 
** معالجات سلمية للخلافات
 
بدوره، قال النائب، عن حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، الفاضل حاج سليمان، إن "التوتر بين السودان ومصر غير مطلوب".
 
وشدد سليمان، في حديث للأناضول، على أنه "لا بد من التعامل بالحكمة والنفس الهادئ، استنادًا على الإرث التاريخي المشترك".
 
وأعتبر أن "مصر والسودان لا تستطيعان الابتعاد عن بعضهما البعض رغم الخلافات المتكررة.. نحن في البرلمان السوداني مع المساعي السلمية لإزالة التوترات، وندعو إلى المعالجات السلمية للقضايا العالقة بين البلدين".
 
** التصعيد مستمر
 
مقابل النظرة الإيجابية لخطاب السيسي، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، وائل علي، للأناضول: "لا أرى أي فرصة للتهدئة بين السودان ومصر حاليا، فالسياسة الخارجية المصرية تحركت وفق تكهنات تشير إلى وجود عسكري تركي مستقبلي في جزيرة سواكن".
 
وتابع: "ولم تكتف مصر بذلك، بل حاولت استغلال حالة الفزع لدى بعض الدول خليحية، وحثتها على أن تجد لها موطىء قدم في إريتريا (شرق السودان) للتتأهب لذلك الوجود (التركي) المزعوم".
 
ومضى قائلا: "حالة من عدم الثقة تسود بين الحكومتين السودانية والمصرية، والخرطوم لن تتجه إلى التهدئة مع القاهرة، طالما للأخيرة وجود (عسكري) في إريتريا".
 
ورهن المحلل السوداني حدوث تهدئة بـ"انتهاء أزمة سد النهضة الإثيوبي، واقتناع الجانب المصري بأن الوجود التركي في السودان لن يؤثر عليه، وهو أمر غير متوقع حدوثه قريبا".
 
وتتهم القاهرة الخرطوم بدعم موقف أديس أبابا في ملف سد "النهضة"، الذي تتخوف مصر من تأثيرات محتملة له على تدفق حصتها السنوية، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، من نهر النيل، مصدر المياه الرئيسي لها.
 
فيما ترد الخرطوم بأنها تراعي مصالحها، دون رغبة في الإضرار بالدول الأخرى المعنية بالسد، الذي تقول أديس أبابا إنه سيحقق لها فوائد، خاصة في إنتاج الطاقة الكهربائية (تحتاجها الخرطوم)، ولن يضر بدولتي المصب، السودان ومصر.
 
** مشكلات داخلية
 
فيما ذهب القيادي بالحزب الاتحادي الديموقراطي السوداني (معارض)، محمد الفكي سليمان، إلى اتهام حكومتي السودان ومصر بـ"التهرب من استحقاقات داخلية، وافتعال مشكلات خارجية لصرف النظر عن أوضاعهما الداخلية، وهو أسلوب مضحك".
 
ومضي سليمان قائلا للأناضول: بينهما (السودان ومصر) تواطؤ يتمثل في إطلاق الإعلام لمهاجمة بعضهما البعض، بينما يمسكان بالجيشين، فليس بمقدور أي طرف إطلاق طلقة واحدة.. ما يجري الآن هو تواطؤ من الحكومتين على شعبيهما".
 
وختم السياسي السوداني بالتحذير من "تحرك أطراف دولية لتصفية حساباتها في المنطقة المحتقنة، فيحدث ما لا تحمد عقباه، وهو ما يستدعي تدارك الموقف، قبل أن تذهب الدولتان إلى حافة الهاوية".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر