لماذا يثير قانون المالية الجديد غضب الشارع في تونس؟

لا يزال إقرار الحكومة التونسية لقانون المالية 2018، يثير استياء وغضب الشارع لانعكاساته المباشرة على ارتفاع الأسعار وإنهاك القدرة الشرائية للمواطنين. واستمرت الاحتجاجات الشعبية بعديد المدن وتخللتها أعمال تخريب ونهب، شغلت الرأي العام المحلي، فيما تستعد البلاد لإحياء الذكرى السابعة لسقوط نظام زين العابدين بن علي.
 
"نحن نموت هنا، لا أمل لنا.. ليس هناك إلا الوعود الزائفة.. هنا تجد فقط المقاهي تعج بالشبان العاطلين". هذا ما قاله شاب تونسي في بلدة طبربة، الواقعة 30 كلم غربي العاصمة تونس، والتي شهدت خلال الأيام الأخيرة مواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن على خلفية غلاء المعيشة واعتماد قانون مالية جديد.
 
وكان الشاب الذي تناقلت وكالات أنباء دولية تصريحاته، يخاطب رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد خلال زيارته الأربعاء للبلدة التي توفي فيها متظاهر، ليل الاثنين الثلاثاء. ولا شك أن كلامه يحمل دلالات صارخة على مدى ضجر نسبة كبيرة من التونسيين من حال البلاد وتدهورها اقتصاديا واجتماعيا.
 
زيادة في أسعار الوقود والضرائب
 
وتضمن قانون المالية الجديد زيادة في الأسعار، طالت بعض المواد أكثر من غيرها، فيما شددت الحكومة من خلال وزارة التجارة "أنه لم تطرأ أي زيادة على أسعار المواد المدعومة والتي ستحافظ على نفس الأسعار المعمول بها"، مشيرة إلى أن ميزانية الدعم لسنة 2018 ستبقى في نفس مستوى 2017.
 
 
الزيادة في الأسعار شملت موادا حساسة مثل الوقود (البنزين، غاز البترول المسيّل...) والتأمين، وتم رفع الضرائب المفروضة على الكحول ومواد التجميل والخدمات الهاتفية. في القانون أيضا زيادة بنسبة واحد بالمئة في الضريبة على القيمة المضافة، علما أن نسبة التضخم (6,4 بالمئة في 2017).
 
ونشرت صحيفة "السفير" في الثالث من الشهر الجاري قائمة للمواد التي شملتها الزيادة واختارتها من موقع "بورصة تونس"، ومنها على سبيل الذكر ارتفاع أسعار "كل أنواع الشكلاته والحلوى والبسكويت والمثلجات" بنسبة 8,3 بالمئة، وأسعار "المشروبات الكحولية المحلية بـ28 بالمئة" وأسعار المشروبات الكحولية الأجنبية بنسبة تتراوح بين 50 و100 بالمئة.
 
ارتفاع أسعار المساكن
 
ونقلت "السفير" عن رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين فهمي شعبان قوله إن "العقارات ستخضع لنسبة الأداء على القيمة المضافة بـ13%، موضحا أن ذلك سيؤثر على أسعار المساكن التي ستشهد ارتفاعا بين 3 و6 بالمئة".
 
من جهتها، نشرت الصيدلية المركزية بيانا يتضمن التسعيرة الجديدة للأدوية، فيما أفادت الحكومة اقتطاع واحد بالمئة من رواتب الموظفين لتغذية الصناديق الاجتماعية.
 
وقد حصلت حكومة يوسف الشاهد في العام 2016 على خط قروض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 2,4 مليار يورو على أربع سنوات مقابل برنامج إصلاحات يهدف إلى خفض عجزها التجاري الذي بلغ مستويات مثيرة للقلق.
 
وسارعت وزارة التجارة التونسية إلى نشر بيان قالت فيه إن أسعار المواد المدعومة (مثل الخبز والمكرونة والكسكسي والحليب والزيت النباتي...) ظلت على حالها في قانون المالية 2018.
 
"فاش نستناو (ماذا ننتظر؟)"
 
ولكن هذا لم يمنع من اندلاع احتجاجات ومظاهرات تندد بهذا القانون المالي الجديد، وانتشرت الدعوات للتظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وسم "فاش_نستناو". وتطالب هذه الحركة بـ"إيقاف العمل بقانون المالية وإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه وتشغيل فرد في كل عائلة فقيرة".
 
وتعليقا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم، قال وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ (2014/2012) في تصريح لجريدة "الصباح" إن إجراءات الحكومة "غير مدروسة، حيث كان يفترض القيام بإصلاحات هيكلية من شأنها أن تحل مشاكل كبيرة وأن نتجاوز من خلالها ما نعيشه اليوم من غضب وإخفاق اجتماعي".
 
وأضاف الفخفاخ أن "التضحيات اليوم تتحملها جهة واحدة وهي عامة الشعب لا سيما الطبقتين الضعيفة والمتوسطة والتي لم تعد تقبل بالمواصلة على نفس المنوال".
 
سبع سنوات عجاف
 
وكان الفخفاخ حذر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في تصريح لـ"راديو إكسبريس إف إم" من أن سنة 2018 "ستكون صعبة جدا، خاصة مع ارتفاع نسبة التضخم وتدهور سعر صرف الدينار"، مشيرا إلى أن "نسبة المديونية ارتفعت من 36 مليون دينار سنة 2013 إلى 76 في 2017".
 
من جهته، اعتبر وزير المالية بين نهاية 2011 ومنتصف 2012 حسين الديماسي في جريدة "الصباح" أن الوضع الحالي "لا تتحمله حكومة الشاهد بمفردها بالنظر إلى أنها بصدد مجابهة مسائل وتراكمات تعود إلى ست سنوات خلت".
 
ففي سياق إحياء الذكرى السابعة لرحيل بن علي ونظامه البائد، كتب مراد علالة الخميس في "الصحافة": "سبع سنوات عجاف، حكومات ومنظومات حكم متعاقبة فاشلة... أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة اليوم زادها قانون المالية 2018 حدّة وقسوة على البلاد والعباد، أزمة سياسية ومحاولات إنعاش لمنظومة الحكم الراهنة وسط أمل ضعيف بإنقاذها، عودة إلى الشارع في شهر (يناير) جانفي شهر الاحتجاجات".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر