العلاقات التركية الأمريكية.. في مهب الرياح الباردة

تشهد العلاقات التركية الأمريكية برودة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، بدأت مع عدم تجاوب الولايات المتحدة في ملف تسليم فتح الله غولن، زعيم منظمة الكيان الموازي التي نفذت المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف تموز / يوليو 2016، وتفاقمت مع الخطوات التي أقدمت عليها واشنطن لاحقا، لا سيما دعم "ب ي د" الذراع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية.

وباتت العلاقات التي تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، وارتقت إلى مستوى "التحالف" في القرن الماضي، في مهب الرياح الباردة، مع تعليق إصدار تأشيرات الدخول بشكل متبادل بين تركيا والولايات المتحدة مؤخرا.

والأحد الماضي، قررت الولايات المتحدة تعليق إصدار التأشيرات عبر بعثاتها الدبلوماسية في تركيا لأجل غير مسمى، على خلفية توقيف الموظف التركي في قنصليتها بإسطنبول متين طوبوز، الذي أظهرت التحقيقات تواصله مع شخصيات من منظمة "غولن" الإرهابية، بينهم مديرو أمن سابقون، والمدعي السابق الفار زكريا أوز.

وأصدرت محكمة تركية في وقت سابق حبس طوبوز رهن المحاكمة بتهم "محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري" و"التجسس" و"محاولة الإطاحة بحكومة الجمهورية التركية".

وعلى خلفية ذلك علقت الولايات المتحدة إصدار التأشيرات عبر بعثاتها في تركيا، الأمر الذي ردت عليه أنقرة بالمثل.

ويصف محللون هذا التوتر بـ "البرودة الأكبر منذ عشرات الأعوام بين دولتين في حلف شمال الأطلسي الناتو".

وأعلنت تركيا التي شهدت أكبر خيانة في تاريخها يوم 15 تموز / يوليو 2016، مرارا للعالم، أن فتح الله غولن القابع في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، هو زعيم الخونة الانقلابيين.

ورغم إرسال تركيا أدلة تشمل آلاف الملفات إلى الولايات المتحدة، في ضوء التحقيقات والمحاكمات التي يجريها القضاء التركي المستقل، تثبت تورط غولن في المحاولة الانقلابية، إلا أنها شعرت بخيبة أمل جراء المماطلة الأمريكية في قضية تسليمه.

وفضلا عن ذلك، استمرت الولايات المتحدة في الإقدام على خطوات أدت إلى مواصلة توتير العلاقات بين البلدين.

ومن بين تلك الخطوات، التحقيق الذي فتحته السلطات الأمريكية بحق 15 شخصا من أفراد حماية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على خلفية الأحداث التي وقعت أمام السفارة التركية في واشنطن، خلال زيارة أردوغان لها مايو / أيار الماضي.

وخلال الزيارة، اعتدى أنصار منظمة بي كا كا الإرهابية على مواطنين أتراك أمام السفارة، ما استدعى تدخل أفراد حماية أردوغان.

وبعد فترة، فتحت السلطات الأمريكية تحقيقا بحق 19 تركيا بينهم 15 عنصر أمن، بتهمة الاعتداء على محتجين، وجرى إعداد لائحة اتهام بحقهم، فيما أعربت الخارجية التركية عن أسفها لقبول محكمة أمريكية لائحة الاتهام.

وبالتزامن مع استمرار استياء تركيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية لامتناع الأخيرة عن تسليم زعيم منظمة غولن الإرهابية "فتح الله غولن" إلى أنقرة، فإن الوثيقة التي صدرت بحق كمال باتماز أحد أبرز الأسماء في لائحة المتورطين بمحاولة الانقلاب والذي تم التحقّق من قضائه ليلة 15 يوليو في مركز إدارة المحاولة الفاشلة (قاعدة أقنجي)، عبر كاميرات المراقبة، كانت من بين الأسباب التي صعّدت التوتر بين أنقرة وواشنطن.

وخلال الأيام الماضية، كشفت وثيقة أمريكية رسمية أن باتماز قال خلال استجوابه من قبل المسؤولين الأمريكيين في إحدى المطارات الأمريكية، في الأول من يناير عام 2016، إنه قدم إلى الولايات المتحدة من أجل الإقامة عند فتح الله غولن بولاية بنسيلفانيا.

والوثيقة الأمريكية الرسمية توضح بما لا يدع مجالا للشك، العلاقة الوثيقة بين باتماز وفتح الله غولن، ومن خلال هذه الوثيقة بات الرأي العام والسلطات القضائية المشرفة على محاكمته، على علم تام بأن باتماز حل ضيف شرف في منزل غولن قبل ستة أشهر ونصف الشهر من محاولة الانقلاب الفاشلة.

تزويد تنظيم إرهابي بالسلاح

ولعب قيام الولايات المتحدة بإمداد تنظيم ب ي د / بي كا كا الإرهابي في سوريا بالسلاح، دورا أيضا في تعكير العلاقات ووصولها إلى هذه المرحلة، لتشهد توترا غير مسبوق منذ التوتر الكبير الذي حصل إبان تنفيذ تركيا "عملية السلام" العسكرية في قبرص لحماية القبارصة الأتراك عام 1974.

ورغم تحذيرات تركيا المتكررة للولايات المتحدة من إمكانية توجيه السلاح الذي ترسله إلى "ب ي د / بي كا كا" ضدها مستقبلا، فإن واشنطن استمرت في مد التنظيم بالأسلحة الثقيلة، بذريعة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي.

وبلغ عدد شاحنات الأسلحة المرسلة إلى "ب ي د / بي كا كا"، نحو ألفي شاحنة، الأمر الذي حال دون تحسن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.

كما ساهم عدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها لإرغام عناصر "ب ي د" الإرهابي على الانسحاب من غرب نهر الفرات، في توتير العلاقات بشكل أكبر.

درع الفرات، إدلب، وإس 400

ويرى محللون أن إقدام تركيا على خطوات في سوريا والعراق وعلى رأسها عملية درع الفرات لحماية أمنها القومي، كان لها دور في اتخاذ الولايات المتحدة قررات معينة ضد أنقرة.

ونفذت قوات الجيش التركي خلال الفترة من أغسطس / آب 2016 وحتى مارس / آذار الماضي، عملية "درع الفرات" دعما للجيش السوري الحر.

وخلال العملية، تمكن "الجيش الحر" من طرد مسلحي "داعش" من نحو ألفي كم مربع اعتبارا من مدينة جرابلس الحدودية على نهر الفرات، مرورا بمناطق وبلدات مثل جوبان باي، ودابق، وأعزاز، ومارع، وانتهاء بمدينة الباب التي كانت معقلا للتنظيم.

ويعتقد خبراء أن اتفاق تركيا مع روسيا وإيران على تشكيل منطقة خفض التوتر بمحافظة إدلب السورية (شمال غرب)، ونشر قوات مراقبة فيها، أفشل خطة أمريكية للتدخل بالمحافظة من خلال "ب ي د" بحجة محاربة عناصر تنظيم القاعدة، الأمر الذي انعكس بالسلب على العلاقات الثنائية بين البلدين.

وأمس الإثنين، أعلن الجيش التركي أنه بدأ أنشطة استطلاعية اعتبارا من يوم الأحد، لتأسيس نقاط مراقبة لخفض التوتر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

وبحسب بيان نُشر على موقع رئاسة الأركان التركية، أمس أول الإثنين، فإن الأنشطة الاستطلاعية تندرج في إطار التحرك العسكري الذي ستجريه القوات التركية في إدلب، بالتنسيق مع قوات باقي الدول الضامنة لمحادثات أستانة (روسيا وإيران).

أما الملف الآخر الذي تصدر الأجندة الدولية، وأثار جدلا في أروقة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، فهو اعتزام تركيا استيراد صواريخ إس 400 الروسية للدفاع الجوي.

ولقيت الخطوة التركية انتقادات بذريعة عدم موائمة صواريخ إس 400 منظومات الناتو.

ورغم معارضة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لشراء تركيا صواريخ إس 400، أعلنت الأخيرة في وقت سابق دفع عربون الصفقة لروسيا.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر