"سيدي بوزيد" مهد الثورة التونسية.. اعتزاز بالمكتسبات رغم الصعوبات

منها انطلقت الثورة في تونس، لتشعل شرارة "الربيع العربي" في عدة دول أخرى، إلا أنه وبعد مرور 6 سنوات على أحداثها، لا تزال مدينة "سيدي بوزيد" تشهد تحركات احتجاجيّة بين الحين والآخر، يُرفع خلال الشعارات القديمة، وإن كانت بدرجة أقل من تلك التي شهدتها خلال 2011.

 

وفي الذكرى السادسة للثورة التونسية، يسود الانقسام بين سكان "سيدي بوزيد" بين من يعبّر عن إحباطه من تردي الحالة الاجتماعيّة والاقتصادية وبين مؤمن بأن الثورة متواصلة وستحقق أهدافها.

 

ورغم التباين فيما بينهم، إلا أن أهالي المدينة الذين التقتهم "الأناضول" يجمعون على اعتزازهم بمكتسبات الثورة التي انطلقت من مدينتهم، وأنها كانت حدثا عظيما أهدته "سيدي بوزيد" للتونسيين وحتى للعالم.

 

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، وفي أحد شوارع هذه المدينة، أقدم البائع المتجول محمد البوعزيزي على حرق نفسه احتجاجا على مضايقات تعرض لها من شرطة البلدية علاوة على ظروفه المعيشية، مفجرا ثورة انتهت بهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وفتحت مسارا ثوريا مسّ دولا عربية أخرى.

 

الشاب التونسي لطفي عمري، الذي تجاوز الثلاثين، يقول للأناضول: "أنا شديد الاعتزاز بسيدي بوزيد التي أصبحت بفضل الثورة معروفة عالميا وفتحت الباب للشعب التونسي حتى يعبّر عن مطالبه بعد عقود من الكبت والديكتاتوريّة، وأعطت الفرصة لتونس حتى تصبح من الدول الديمقراطية والمتقدمة اقتصاديا".

 

لكن هذا الإعجاب يصطدم، وفق عمري، بما حدث بعد الثورة "بعد أن مثلتها طبقة سياسية محنطة تقليدية أبعدت الشباب وقسّمت المجتمع وأبعدتهم عن أهداف الثورة الرئيسيّة".

 

ووفق عمري فإن "الثورة قامت في سيدي بوزيد ضد الإقصاء والتهميش ومطالبة بالتشغيل والتنمية وبدل أن تحقق هذه الأهداف فقد زاد الوضع سوءً، ولا نزال نعاني من غياب التنمية والتشغيل".

 

أما الناشط عطية عثموني، الذي انتسب قبل الثورة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض لـ"بن علي"، يقول للأناضول إن "الثورة التي انطلقت من سيدي بوزيد كانت إنجازا عظيما حققه الشعب التونسي من أجل تطوير الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة".

 

ومثلت الثورة "خلخلة لكل مظاهر الاستبداد والتهميش والمحسوبيّة والفساد وطرحت شعارات على غاية من الأهمية تتعلّق بالتشغيل والكرامة والحرّة والديمقراطيّة "، وفق العثموني.

 

غير أنه يضيف: "للأسف رأينا انحرافات كبيرة ولم تلتزم القيادات السياسيّة بمطالب الثورة، وبقيت السياسات المعتمدة غير مجدية وأضيف إلى المشاكل القديمة الإرهاب الذي تتحمل جهات سياسية المسؤولية عنه (دون أن يسميها)".

 

ويتابع الناشط التونسي أن "الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تقدم الكثير للشعب، وترى إلى اليوم في سيدي بوزيد مظاهرات من أجل التشغيل، لأن الوضعية الاقتصادية زادت تأزما وارتفعت نسبة البطالة، ومن أمسك بالسلطة لم يمتلك تصورات للتعامل مع مطالب الشعب فاليوم نحتاج إلى آليات جديدة لتحقيق أهداف الثورة".

 

لكن العثموني لا ينكر أن "الثورة حققت بعضا من أهدافها تتمثل في الحرية والديمقراطيّة".

 

والمطلوب وفقا للعثموني أن "يتم استغلال الإمكانيات والموارد المتوفرة بالمدينة خاصة الفلاحية لخلق فرص عمل والتخفيف من حدّة البطالة".

 

أما الذي تغيّر في "سيدي بوزيد" بالنسبة للأمين البوعزيزي، باحث انتروبولوجيا وناشط في حزب "حراك تونس الإرادة" هو أن "الثورة كانت صرخة في سيدي بوزيد تحوّلت إلى صرخة عربيّة، رددت شعار (الشعب يريد)، ويكفي للمدينة أنها كانت حاملة لهذا الشعار".

 

حدث آخر يعده الناشط السياسي مؤشرا على التغييرات التي حلت بـ"سيدي بوزيد" عندما يرى يوميا مواطنين من المدينة وأريافها يتظاهرون يوميّا أمام مبنى الولاية حيث أحرق البوعزيزي نفسه ويدافعون على قضاياهم ومصالحهم "وهذا أمرا تبدّل وهذا دليل ان الثورة نجحت في تحقيق تغيير ملحوظ"، وفق رأيه.

 

ويطالب البوعزيزي "بالصبر في هذه الفترة الانتقاليّة، فالثورات عندما تهدم النظم تنتج في البداية واقعا قد يكون أكثر إيلاما من الواقع الذي ثار عليه الشعب".

 

لذلك يتفهم البوعزيزي خيبة الألم لدى البعض بالقول إن "من يزرع النخلة لا يأكل من ثمارها، فنحن نبني وطنا للأبناء".

 

تفاؤل الناشط التونسي يلتقي مع موقف فوزي العبدولي، عضو مجلس شورى حركة النهضة وأمينها العام بالمحافظة، الذي يقول للأناضول إنه "بعد 6 سنوات من الثورة هناك ما تحقق على أرض الواقع ولكن مازال الكثير من الأشياء لم تتحقق".

 

"فلقد تحقق الكثير في مستوى البنية التحتية من مد الطرقات وتعبيدها إذ فاق بعد الثورة طول الطرقات المعبدة كامل فترة ما قبل الثورة".

 

لكن العبدولي لا ينكر حالة الغضب، قائلا إن "هناك حالة تذمّر موجودة لدى الموطنين نتيجة غياب الخدمات الصحية أو ضعفها، خاصة معضلة التشغيل، يعود ذلك إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في الجهة (المحافظة).

 

ويتطلب هذا - بحسب العبدولي- أن "تقوم الدولة بتحفيز المستثمرين لإنجاز مشاريع توفر فرص عمل كثيرة يضاف إلى مجهود الدولة التي تسعى لإنشاء مصانع كبرى، وهو ما سيساهم في توفير مواطن شغل".

 

لكن العبدولي يرفض الفرضية التي تنكر أن شيئا لم يحقق في المحافظة بعد الثورة، ويرى أن الأمر "يتعلق بضرورة استكمال تطبيق الدستور فيما يتعلق ببند تفعيل المجالس الجهوية والمحلية حتى تعطي فرصة للمواطن للمشاركة أكثر في التعبير عن مشاغله".

 

ويقطن محافظة "سيدي بوزيد" وفقا لأخر تعداد سكاني رسميّ صادر في عام 2014 حوالي 313 ألف نسمة يمثل الفقراء منهم أكثر من 27 بالمائة، وتتجاوز نسبة البطالة بها قرابة 17 بالمائة من عدد السكان.

 

توفير فرص عمل وتنمية المحافظات هي من أهمّ المطالب التي قامت من أجلها الثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس التونسي، زين العابدين بن علي (1987- 2011)، في يناير/ كانون ثان 2011.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر