أموال الظل في اليمن... قنوات لاستقطاب الباحثين عن الحماية والربح السريع

[ أموال الظل في اليمن... ]

أضحى اليمن أرضاً خصبة لما يعرف بـ"قنوات الظل" التي تتحرك عبرها الأموال، سواء من جانب الباحثين عن الاستثمار السريع أو الذين ينشدون الحماية من قبل نافذين في أطرف الصراع، فضلا عن المال السياسي الذي طغى بالأساس خلال السنوات الماضية، لخدمة المتصارعين على مختلف الجبهات.

ووسط الانفلات الأمني وانتشار حمل السلاح، لم يجد تجار ومغتربون وكذلك أصحاب رؤوس أموال بديلاً عن اللجوء إلى أنشطة استثمارية بعينها تخضع لسيطرة المتصارعين، على غرار تجارة الوقود والاتصالات واستيراد السلع الأساسية، ما يبقي هذه الأنشطة في حالة رواج دائم ويدر دخلاً على المتنفذين.

ومثل الاستقرار السياسي والأمني أحد أهم التحديات التي تواجه منشآت القطاع الخاص في الوقت الراهن، إلى جانب ارتفاع تكاليف التأمين والشحن إلى الموانئ اليمنية باعتبارها دولة غير مستقرة أمنياً.

وأكدت مصادر تجارية واستثمارية، لـ"العربي الجديد"، أن كتلة مالية كبيرة أضحت تتركز في مشاريع محددة، تستقطبها كملاذ آمن بحماية أطراف نافذة تكونت بفعل الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، تستهدف جني أموال سريعة في استغلال واضح للتغيرات الديمغرافية والسكانية، كما هو حاصل في السوق العقارية نتيجة للنزوح وارتفاع الطلب على المساكن، التي وصلت أسعارها وإيجاراتها إلى مبالغ خيالية.

فيما وُظّف جزء آخر من هذه الأموال في إطار الصراع السياسي والعسكري ومحاولة كل طرف إزاحة خصمه وتثبيت نفسه على الأرض، والذي يلاحظ في المشاريع التجارية واستيراد النفط والاتصالات والمولات (المجمعات) التجارية، إضافة إلى استخدامها لاستهداف مؤسسات وكيانات اقتصادية وتجارية وصناعية كما هو حاصل في التقليد لمختلف السلع والمنتجات، وفق المصادر.

وأضحى اقتصاد الظل يسيطر على مختلف الأنشطة في اليمن، وتتحرك خلاله الكثير من الأموال، بينها سيولة نقدية مجهولة المصدر ومشبوهة، وفق خبراء اقتصاد. ويقول الباحث في معهد العلوم المالية والاقتصادية عدنان سالم، لـ"العربي الجديد"، إن طريقة توظيف الأموال التي تأتي من مصادر مجهولة أخلت بالمنافسة وشوهت بيئة أداء الأعمال، خاصة الخاضعة لسلطات الأمر الواقع التي تنتهج سياسة طارئة تعتمد على إيجاد اقتصاد خاص بها، يطيل أمد بقائها ويفرض توجهاتها وتكريسها سلطاتٍ نافذةً على أرض الواقع.

ويضيف سالم أن هناك أموالاً تتدفق بالفعل لا حصر لها، بينما جزء منها يكتنفه الغموض، خاصة أنه لا يجرى توظيفها في مشاريع تنموية هادفة ومجدية للمساهمة في مواجهة الأزمات الإنسانية والمعيشية والفقر والبطالة، إذ تنساب هذه الأموال عبر قطاعات وشركات صرافة عززت أنشطتها ظروف الحرب.

وأدى الصراع المتواصل إلى تعميق الاختلالات المالية والمؤسسية وتوسع أعمال الكسب غير المشروع وتراجع قيمة الريال اليمني إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية، وسقوط غالبية السكان إلى قاع الفقر المدقع.

وينعكس وضع اليمن المتردي في المؤشرات والتقارير الدولية، التي ترصد تراجعه المستمر في مؤشر بيئة أداء الأعمال خلال السنوات الثماني الماضية من عمر الحرب والصراع الدائرين في البلاد، حيث تراجع اليمن إلى المرتبة الـ187 عام 2021.

ويتطرق الخبير القانوني كمال الجيلاني، في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، تتعلق بتفكيك المنظومة القانونية والمالية والتشريعية للدولة بشكل متعمد من قبل أطراف الحرب والصراع، والذي بدأ بتجميد حساباتها في المؤسسة النقدية الرسمية المتمثلة بالبنك المركزي، وفتح حسابات خاصة لها في بنوك تجارية وقطاعات مصرفية غير رسمية، فضلا عن الاستحواذ على إيراداتها، حيث ساهم كل ذلك في جزء مما نراه حالياً من تكريس وترسيخ ما حدث طوال الفترة الماضية لأموال مجهولة المصدر وتسييلها في أنشطة محددة للأعمال.

في المقابل، يبحث القطاع الخاص الرسمي عن ملاذ آمن لأعماله واستثماراته، ويرى أن استمرار الهدنة والانتقال بها إلى مسار بناء السلام الدائم في اليمن يمثل أحد أهم العوامل المؤثرة على نشاطه مستقبلاً، وإمكانية توسعه في أنشطته المختلفة بصورة تسهم في زيادة مستويات التشغيل والتوظيف والأجور والحد من البطالة والفقر في الاقتصاد.

ويقول مدير الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية محمد قفلة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أهمية للعمل على بناء السلام وتعزيز الاستقرار على كافة المستويات، لتشجيع وتحفيز رؤوس الأموال الوطنية والاستثمارات المحلية عبر شراكة فاعلة مع القطاع العام تزيل المخاوف وتدفع نحو ترسيخ بيئة اقتصادية آمنة وجاذبة، إضافة إلى ضرورة التوافق على بناء رؤية سياسية واقتصادية تغلب فيها المصالح المشتركة على التباينات الحالية.

وانطلاقا من ذلك، تتوقع 62% من منشآت القطاع الخاص، وفق استبيان حديث نفذته المؤسسات الممثلة للقطاع الخاص، أن استمرار الهدنة لفترات زمنية أطول أو تحويل الهدنة إلى عملية سلام مستدامة في اليمن يمكنّهم من توظيف واسع للأموال وجذب المزيد من الزبائن أو العملاء، وبالتالي زيادة مبيعاتهم بصورة جيدة تمكنهم من زيادة الأرباح مستقبلا وارتفاع الحافز على الإنتاجية وزيادة الطلب على الأيدي العاملة ومستويات التشغيل.

وترى 48% من منشآت القطاع الخاص أن بإمكانها زيادة مستويات التوظيف والتشغيل في حال استمرار فترة الاستقرار السياسي والأمني، كما تتوقع 43% تغير مستويات الاستثمار في حال تمديد الهدنة الحالية لفترات زمنية أطول.

بدوره، يشير الباحث الاقتصادي محمد عثمان إلى أن إزالة الانقسام المالي والمؤسسي سيلعب دوراً كبيراً في معالجة هذه الاختلالات والفجوات، التي استغلت هذا الوضع والانقسام والتفكك في مؤسسات الدولة للكسب غير المشروع، على حساب تدهور الاقتصاد الوطني وانهيار العملة وفرص التشغيل وتوسع رقعة الفقر والبطالة.

وللشهر الخامس على التوالي، تستمر حالة الهدوء في جبهات القتال رغم انتهاء الهدنة، ولم تشهد البلاد أي تصعيد عسكري كبير على المستوى الداخلي سوى هجمات ومناوشات متقطعة، في حين توقفت كليا عبر الحدود بين السعودية والحوثيين في العمليات الهجومية الجوية، سواء بالغارات أو الطيران المسيّر، في حين يستمر الحوثيون بمنع تصدير النفط اليمني من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية. ويأمل كثيرون في إنهاء الصراع الذي تسبب في انهيار الاقتصاد وتفاقم معدلات الفقر والبطالة.

تشهد مناطق متفرقة من ليبيا أزمة وقود، بسبب تعطل الإمدادات إلى المحطات، وسط خلاف بين اثنتين من شركات التوزيع الرئيسية العاملة في الدولة، ما دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، إلى التدخل للحيلولة دون تفاقم الوضع.

واضطرت نحو 390 محطة إلى الإغلاق لعدم حصولها على الإمدادات منذ عدة أيام، فيما تبادلت شركتا "البريقة لتسوق النفط" و"الشرارة الذهبية للخدمات النفطية" الاتهامات حول التسبب في الأزمة، حيث قالت شركة الشرارة إن شركة البريقة أوقفت تسليم الوقود لها، بينما عملت على تسليمه "للخارجين عن القانون، ووضعه تحت تصرفهم دون حسيب أو رقيب"، وفق بيان لها.

بينما قالت شركة البريقة لتسويق النفط في بيان مساء الجمعة، إن إيقاف تزويد محطات شركة الشرارة الذهبية للخدمات النفطية راجع لأسباب قانونية تتعلق بالتمثيل القانوني للشركة الشرارة.

وأضافت الشركة أن "كميات الوقود متوافرة في مخازنها، وقد اتخذت الإجراءات التي تضمن تلبية حاجة المواطن، وذلك برفع مخصصات شركات التوزيع الأخرى من الوقود وتشغيل عدد من المحطات على مدى الأربع والعشرين ساعة، بما يضمن عدم حدوث ازدحام أو أي اختناقات أمام محطات توزيع الوقود حتى تتم تسوية الأوضاع القانونية للشركة (الشرارة الذهبية) التي باتت وشيكة".

ودفعت أزمة الوقود رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى توجيه تعليمات لشركة البريقة بضرورة تزويد جميع المحطات بالوقود دون الرجوع والتنسيق مع شركات التوزيع العاملة في السوق.

ومن أمام محطة الوقود في منطقة السراج بالعاصمة طرابلس، قال المواطن أسامة نصر لـ"لعربي الجديد" إنه ينتظر في طابور أمام المحطة منذ أكثر من خمس ساعات للحصول على البنزين، بينما عانى خلال اليومين الماضيين في الوصول إلى محطة عاملة.

كذلك، أشار عبد الرزاق مروان من أمام محطة وقود في تاجوراء، شرق طرابلس، إلى أن معظم المحطات في المنطقة بلا وقود، وأصحاب المحطات يتحدثون عن أن شركة توزيع واحدة فقط تعمل حالياً في الإمداد.

بدوره، قال عبد الناصر التركي، صاحب محطة وقود في وسط العاصمة لـ"العربي الجديد" إن كميات الوقود التي تصل إليه لا تكفي، وتنفد خلال ساعات قليلة، مؤكداً أن هناك إمدادات للبنزين تصل تباعاً، لكن المواطنين لا يغادرون الطوابير.

ويُوزَّع الوقود عبر أربع شركات، "الراحلة" و"الشرارة الذهبية" و"خدمات الطرق السريعة" و"ليبيا للنفط"، إذ تحصل على المشتقات البترولية من شركة البريقة، المسؤول الرئيسي عن الإمدادات.

وقال الخبير الاقتصادي عادل المقرحي لـ"العربي الجديد" إن أزمة البنزين تتكرر، وتوقف إمدادات البنزين لدى بعض الشركات يعني أزمة جديدة ضمن الأزمات المعيشية للمواطن، إذ تؤثر تكاليف الوقود في العديد من جوانب الحياة اليومية، كالسفر ونقل البضائع وعمل المخابز. وتعتمد ليبيا على 5 مصافٍ لتكرير النفط، ويغطي إنتاجها 30% من احتياجات السوق المحلي، بينما تعتمد على الاستيراد لتغطية 70% تقريباً من احتياجات البلاد.

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر