الاتصالات في اليمن... قطاع مأزوم يشهد رواجاً في الأعياد

[ الاتصالات تعتبر من الضروريات خلال الأعياد (فرانس برس) ]

على الرغم من تخلي الأسر اليمنية عن كثير من المتطلبات المعيشية نتيجة لتردي الدخل، إلا أنها حافظت على بعض التقاليد التي اعتادت اتباعها في مناسبات الأعياد، إذ لا تستطيع الاستغناء عن خدمات الاتصالات في العيد للتواصل مع الأهل والأقارب في الداخل والخارج، في ظل ارتفاع نسبي في الإقبال على خدمات الاتصالات وأجهزتها ومستلزماتها المتعددة.

وتشهد الأسواق في المناسبات، مثل عيد الفطر، ارتفاع الطلب اليومي على خدمات الاتصالات. يشمل ذلك، إلى جانب الإنترنت، بطاقات الشحن والاتصالات الثابتة وتداول الهواتف المحمولة. كذا يطاول الطلب خدمات متعددة من برامج وأغلفة وزينة وكل متعلقات التواصل عبر الخدمات المتطورة، التي تقدمها التحديثات المستمرة للهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر المحمول.

ويرزح قطاع الاتصالات في اليمن تحت دائرة الجدل المتواصل بين أطراف الصراع، التي تتبادل الاتهامات فيما بينها باستغلال هذا المورد الواعد. إذ ينخر قطاع الاتصالات فساد واسع بالنظر إلى الموارد الهائلة التي يجنيها طرفا الحرب منه، في ظل تغييب الأرقام الفعلية المحققة منه.

ويشكو مستهلكو خدمات الاتصالات في اليمن من استغلال كبير ونهب واسع لجيوبهم، من خلال التعرفة المرتفعة للحصول على خدمات الاتصالات أو الإنترنت، وسرعة انتهائها. حيث يشعر المواطنون وكأن هناك اتفاقاً بين جميع المتعاملين في هذا القطاع وأسواقه على الاستغلال وجني الأرباح الطائلة، في ظل رقابة غائبة وسلطات منقسمة ومتناحرة.

ويؤكد المواطن محمد غيلان، لـ"العربي الجديد"، أن هناك استغلالاً بشعاً في أسواق الاتصالات وخدماتها، التي ارتفعت أسعارها في مقابل تردي الخدمات المتواصل، وهو ما يشكل أعباء مضاعفة على المستهلكين.

بدوره، يقول المواطن عدنان الواسعي، لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من أفراد الأسر في أغلب البيوت اليمنية مستعدون للتنازل عن أغلب متطلبات العيد من كسوة وملابس وحلويات، مقابل الحصول على "كرت شحن" للهاتف النقال أو خدمة الإنترنت. حيث تشكل الأعياد فرصة سانحة للأبناء للضغط على أسرهم للحصول على هاتف محمول، خصوصاً لدى الأسر الميسورة، أو إنفاق ما يحصلون عليه من أموال (عيدية) على خدمات الاتصالات المتنوعة والمتعددة، التي تشهد ازدهاراً لافتاً وحركة واسعة يبدآن قبل حلول مناسبة العيد بيومين.

ويشهد هذا السوق تضخماً كبيراً لم تستطع تبعات الحرب الدائرة الحد منه. إذ يصل عدد المشتركين في خدمات الهاتف النقال في اليمن، بحسب بيانات رسمية صادرة في العام 2019، إلى 18 مليوناً و597 ألف مشترك. وتتصدر شركة يمن موبايل الحكومية لائحة موردي هذه الخدمات بأكثر من 7.4 ملايين مشترك، تليها شركة "سبأفون" بحوالي 5.5 ملايين، ثم تأتي شركة "إم تي إن" بحوالي 4.9 ملايين مشترك.

ويقدر متعاملون في الأسواق ومختصون في هذا القطاع حجم الإنفاق اليومي على خدمات الاتصالات والإنترنت بأنه يتعدى 80 مليون ريال، ويتجاوز الإنفاق خلال الأيام الأولى للعيد نحو 30 مليون ريال.

ويعدد رامي قاسم، عامل في سوق الاتصالات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أبرز الخدمات والمنتجات التي يقبل عليها المستهلكون في مثل هذه المناسبات وفي معظم الأيام الأخرى، وأهمها بطاقات الشحن المسبقة الدفع، وذلك لكثرة استعمال الرسائل النصية للتواصل والتهنئة بهذه المناسبة. كذا يتزايد استهلاك خدمات الإنترنت على الرغم من الشكاوى الكثيرة من رداءة الخدمة المقدمة، ثم أجهزة الهواتف المحمولة وملحقاتها باعتبارها السلعة الأكثر رواجا بين المستهلكين لاستيعاب مخصصات العيد المالية وما يحصلون علية من هدايا في العيد.

ولا يزال هذا القطاع يعاني من العديد من المشاكل والاختلالات رغم عائداته الهائلة. إذ إن معدل انتشار خدمات الهاتف النقال في اليمن منخفض ومترد بحسب المعايير الدولية، ويتركز بدرجة كبيرة في المدن الرئيسية. إضافة إلى ارتفاع أسعار المكالمات الدولية التي تعد أعلى بكثير من المعايير الإقليمية، وكذا تردي خدمات الإنترنت الذي يشكل عائقا رئيسيا أمام قطاع الأعمال في البلاد.

كذا تعاني شركات الهاتف النقال في اليمن من اختلالات مختلفة. حيث تشهد صراعاً طاحناً للاستحواذ عليها من قبل أطراف الحرب، في ظل جهود متواصلة للسيطرة عليها عن طريق ضخ استثمارات خاصة أو عبر شركات عامة كواجهة للاستحواذ عليها. هذه الخطوة حصلت أخيراً مع إحدى الشركات التي كان قد تم الإعلان عن إفلاسها، عقب أنباء تم تداولها عن إقدام مستثمرين على شراء معظم أسهمها والاستعداد لنقل عملياتها إلى عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية.

ويرى الخبير الفني في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات وديع ردمان أن هناك نهباً واسعاً لعائدات الاتصالات الضخمة، والتي تعد من أهم أموال الحرب التي يسعى خلفها جميع المتصارعين للاستفادة منها لتمويل معاركهم المتواصلة. ويستغرب حجم الاستغلال الذي يتعرض له اليمنيون الذين يدفعون تكاليف باهظة مقابل الحصول على خدمات رديئة للغاية.

وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين باستغلال موارد قطاع الاتصالات نتيجة سيطرتهم عليه، والذي تعتبره أمراً غير شرعي ولاقانونياً. إذ يجني الحوثيون سنوياً موارد ضخمة تستخدم في "المجهود الحربي" في ظل توقف رواتب موظفي الدولة، التي من المفترض أن تصرف من مختلف الإيرادات العامة التي يسيطر الحوثيون على معظمها.

في السياق، تسعى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الحكومية في عدن لتنفيذ خطة تطوير خدمات الاتصالات وتحسينها، من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع بالشراكة مع القطاع الخاص، والتعاون مع الشركاء الدوليين في مجالات التدريب، والتأهيل، وإعداد الدراسات، والأبحاث.

وتم إطلاق مشروع "عدن نت" في محاولة لكسر احتكار الحوثيين في صنعاء لهذه الخدمة، إذ يؤكد القائمون على هذا المشروع العمل على توسعة خدماته ورفع عدد المشتركين وتطوير كفاءة خدمة الإنترنت المقدمة، والتي يشكو كثير من المشتركين فيها من ترديها منذ أن تم إطلاقها.

وواجهت شركات الاتصالات في اليمن تحديات عديدة خلال سنوات الحرب التي دخلت عامها الخامس، حيث تم استهداف بنيتها التحتية وأبراج الخدمات في أكثر من موقع، إلى جانب انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود.

كما انقطع الإنترنت عن اليمن مطلع العام الماضي، وبقيت البلاد شبه معزولة عن العالم لأكثر من شهر ونصف من جراء قطع كابل الإنترنت البحري الذي تعتمد عليه اليمن في التغذية.

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر