"كنز شبوة".. الإمارات وحرب الغاز في جنوب اليمن

[ ميناء بلحاف بمحافظة شبوة والخاضع لسيطرة الإمارات ]

أقامت الإمارات "إمبراطورية صغيرة" على الساحل اليمني الجنوبي وهي تتجاهل الحكومة اليمنية بعد أن أمنت ولاء القبائل، في حين يخوض محمد صالح بن عديو، محافظ شبوة الغنية بالنفط والغاز، حربا شخصية ضدها قائلا إنها تتصرف كقوة استعمارية في بلاده.

بهذا الملخص، جمعت صحيفة لوموند الفرنسية بعض أطراف التقرير الطويل الذي كتبه لوي إمبير، منطلقا فيه من قصة هذا المحافظ الذي يقول إنه يجعل محدثه يتساءل عما إذا كان يريد أن يموت، حيث يقول إنه توقف عن إحصاء عدد المرات التي حاول فيها الإماراتيون اغتياله.

ويقول بن عديو الذي لا يغادر قصره إلا تحت حراسة مشددة، "في صيف 2019 أرسلوا لي قناصين ثم طائرات مسيرة، وفي الأسبوع الماضي (أوائل نوفمبر/تشرين الثاني) زرعوا قنبلة بجوار منزلي"، وذكر أن الإمارات عندما فرضت نفسها في حرب اليمن عام 2016، نفذت حملة اغتيالات مستهدفة شخصيات من حزبه الإصلاح.

مصالح مختلطة

في مقاطعة شبوة القبلية البائسة والغنية بالنفط والغاز، وقع بن عديو -كما يقول الصحفي- في معركة ضخمة، تشتبك فيها مصالح التحالف السعودي الإماراتي المتعثر منذ عام 2015 في تدخله العسكري ضد تمرد الحوثيين في اليمن، ومصالح الشركات المتعددة الجنسيات في مجال الطاقة، ممثلة بتوتال الفرنسية التي تدير منذ عام 2009 محطة للغاز الطبيعي المسال على الساحل في بلحاف، وأخيرا مصالح الدولة اليمنية التي تعتمد على غاز توتال لتنبعث من رمادها بعد 5 سنوات من الحرب الأهلية المدمرة.

وفي هذا السياق، يقول بن عديو إن "الإمارات أرسلت لي مبعوثا في أكتوبر/تشرين الأول وعرضوا علي كل ما أريد من المال والمساعدة لمنطقتي، بشرط أن أتوقف عن الحديث عن توتال"، ولكن هذه الكلمة هي الوحيدة في ذهنه -كما يعلق الكاتب- حيث يحلم هذا الحاكم بطرد الجيش الإماراتي من القاعدة التي أنشأها في المصنع عام 2017.

وذكر الكاتب أن موقع الغاز هذا قدم ما يصل إلى 45% من عائدات الضرائب اليمنية قبل الحرب، ولكنه توقف منذ عام 2015 عن العمل، ويصر بن عديو على إعادة فتحه لتصدير الغاز الخاص، ويرى أن ترك الإمارات لقاعدتها هو المفتاح الوحيد لاستئناف الصادرات.

ويقع مصنع توتال ببلحاف -وهو هرم من الألمنيوم والفولاذ كلف تركيبه 4.8 مليار دولار- تحت مرتفع من الصخور البركانية السوداء يخفيه عن أنظار الصيادين في ميناء بير علي الصغير القريب، وهو نقطة دخول الغاز المنتج في حقل مأرب (شمالا) من قبل الشركة الوطنية اليمنية صافر، وقد تولت شركة توتال بناءه وتسييره، حيث يمتلك الفرنسيون 39.6% من الأسهم فيه لمدة عشرين عاما.

ويتمركز الجيش الإماراتي عند المدخل الرئيسي لبلحاف الذي استولى عليه في منتصف عام 2017، وقد حصنه ووضع رجال المليشيات القبلية اليمنية والمرتزقة على أبراج الحراسة، كما نصب الجيش اليمني حواجز على الطريق الساحلي.

وبين القوتين الإماراتية واليمنية غير المتصالحتين، يبقى السلام معلقا بخيط رفيع، وأشار الكاتب إلى أن الصراعات التي تحدث اليوم حول السياج ليس لها أي دافع آخر غير هذا المصنع، موضحا أن الحكومة اليمنية مقتنعة بأنه يكفيها أن تسيطر على القاعدة، لتضع يدها على كنز توتال، لأن المصنع عندما يبدأ مرة أخرى في التصدير "أنتم (الفرنسيون في شركة توتال) ستدفعون لمن يمسك الأرض، سواء أكانوا متمردي الحوثي أم تنظيم الدولة الإسلامية أم الحكومة"، كما يقول بن عديو.

العودة إلى زمن المستعمر

يعيش مليون من سكان محافظة شبوة تحت حماية "قوات النخبة الشبوانية"، وهي مليشيا من حوالي 7 آلاف رجل من القبائل المحلية مجهزة وممولة منذ عام 2016 من قبل الإمارات.

وقد أقامت الإمارات إمبراطورية صغيرة على الساحل، وطردت مقاتلي تنظيم القاعدة، متجاهلة الحكومة اليمنية ومعتبرة إياها من جماعة الإخوان المسلمين، يقول العميد الركن عزيز العتيقي "أعادتنا الإمارات إلى أيام المستعمرة البريطانية، لقد تصرفوا تماما مثل البريطانيين، حيث أمنوا ولاء القبائل، متجاهلين الهياكل السياسية المحلية والبلد".

ويشير الكاتب إلى أن الإمارات عندما نزلت في عدن عام 2015 لطرد المتمردين الحوثيين، اعتمدت على المنافسين القدامى لقبائل شبوة، وهم من المقاتلين الأشداء الذين يسيطرون على الميناء الكبير ويتزعمون حركة استقلال الجنوب.

وقال الكاتب إن العائلة المالكة في أبو ظبي تدعي أن لديها أصولا يمنية بعيدة، وهي متمسكة بشكل أعمى بهذا البلد الذي لا يشترك معها في حدود، حيث سعت إلى مصادر النفوذ، وأنشأت المليشيات وهمّشت الرجال الأقوياء، وراهنت على من لم يكونوا شيئا مذكورا قبل الحرب، مثل السلفي هاني بن بريك الذي جعلته القناة الرئيسية لتسليم السلاح، ومثل رجل الأعمال القوي المكروه في الجنوب أحمد العيسي.

وبعيدا عن كسب القلوب والعقول، تراكم الاستياء ضد الإمارات، إلا أنها في صيف 2019، بعد أن سئمت هذا التدخل المكلف، حاولت القيام بانقلاب نهائي، حيث سمحوا لحلفائها المؤيدين للاستقلال بطرد آخر القوات الحكومية من عدن والسيطرة الكاملة على الميناء، حيث لا يبقى لها إلا احتلال حقول النفط والغاز في الشرق لتحقيق حلمها بإعلان الاستقلال.

وفي هذا السياق، احتشد رجال المليشيات الموالية للإمارات من قوات النخبة التابعة لشبوة حول عاصمة المقاطعة أتاك، ودخلوا المدينة التي كانت حتى ذلك الحين منطقة محايدة، وحاصروا 300 جندي من الجيش وأرادوا فرض استسلام مذل عليهم، غير أن الجنود لم يستسلموا.

سلام مسلح

منذ ذلك الحين، ساد سلام مسلح في المحافظة، حيث أسفر اتفاق الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عن وقف إطلاق النار بين الانفصاليين والحكومة، وتوقف الزعيم الانفصالي عيدروس الزبيدي عن التصريح بأن "من واجبه تحرير حقول النفط" في شبوة، ودون هذه الثروة يتبخر حلمه في الاستقلال.

بعد ذلك هرب القادة الرئيسيون لـ "النخب" والمجلس الانتقالي الجنوبي من إقليم شبوة، مع أن نفوذ الإمارات متواصل، حيث نصبت نفسها حارسا لحركة مرور النفط في المحيط الهندي والبحر الأحمر، مع دور في مفاوضات السلام في اليمن وقاعدتين في شبوة وأخرى في مطار المكلا.

ومع كل هذا لم يفقد حكام المقاطعة القدامى كل نفوذهم، فمركز الإمارات لمكافحة الإرهاب ببلحاف لا يزال يثير الخوف، إذ اعترف مسؤول في التحالف السعودي الإماراتي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في مقابلة مع صحيفة لوموند، بأن هذه القاعدة تضم "زنزانة احتجاز مؤقت"، يمر من خلالها المشتبه بهم قبل إرسالهم إلى القاعدة الإماراتية في المكلا.

كانت بلحاف -كما يقول الكاتب- أحد معالم شبكة السجون الإماراتية التي ظلت سرية وبعيدة عن متناول الحكومة اليمنية، وقد تسبب وجود هذه السجون داخل حدود الموقع الصناعي بإحراج شديد لشركة توتال التي لا تنكرها ولا تؤكدها.

المصدر : لوموند - الجزيرة نت

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر