كيف أنقذت أموال الحرب مصانع الإسمنت اليمنية من الإفلاس؟

[ الإسمنت ]

انحدار متواصل يضرب مختلف قطاعات اليمن الاقتصادية ومنشاَتها التشغيلية مثل صناعة الإسمنت التي تشكل ركيزة أساسية في تشغيل الأيادي العاملة وقطاع الصناعة التحويلية المعتمد على الخامات المتوفرة في البلاد.

هذه المنشاَت تعرضت لتدمير ممنهج ونهب واسع بسبب الصراع الدائر في اليمن، وكذا تعرضها لقصف مكثف من قبل طيران تحالف الحرب (السعودية والإمارات)، ورغم ذلك انتشلت أموال تجّار الحرب التي تم ضخها في قطاع العقارات وأنعشته مصانع الإسمنت من الإفلاس.

وتعمل في اليمن ثلاث منشآت حكومية لإنتاج الإسمنت في عمران (شمال) والبرح في تعز جنوب غربي البلاد وباجل بالحديدة غربا، إضافة إلى مصانع أخرى خاصة، في ظل وصول هيمنة وبسط الإمارات على هذا القطاع وسط تأكيدات مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" استغلالها لنحو 6 مواقع لإنتاج الإسمنت في مناطق جنوب اليمن.

كانت أبو ظبي قد تسللت إلى هذا النوع من الأعمال الاستثمارية قبل الحرب عبر شركات ومستثمرين قاموا بإنشاء بعض المنشآت أهمها مصنع في محافظة أبين.

في هذا الخصوص، يؤكد الخبير في الهيئة اليمنية للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، حامد العبيدي، أن اليمن كان يمتلك فرصا واعدة في هذا القطاع خصوصاً في منتجات الصناعات التحويلية والإنشائية نظراً لما تتوفر عليه البلاد من مواقع بها كميات هائلة من الخامات الصناعية المنتجة لمواد البناء مثل الإسمنت المطلوب أيضا في دول الخليج كالإمارات وغيرها بالنظر لما تشهده من حركة عقارات واسعة وبصورة دائمة.

لذا يرى العبيدي أن عديد المنشآت تعرضت للقصف والتدمير والعبث بشكل متعمد، إلى جانب ما رافق الحرب من حصار حدّ من قدرة هذه المنشآت على توفير الآلات والمعدات التي تحتاجها في ظل تهالك وتقادم وتدمير أجهزتها وآلاتها. 

وتشهد الأسواق اليمنية ارتفاعا قياسيا في أسعار الإسمنت نتيجة الطلب الكبير، نظراً لما تشهده عديد المناطق والمدن اليمنية خصوصاً صنعاء وعدن من حركة عقارات واسعة ومريبة وأعمال بناء عشوائية وبعضها امتدت إلى وسط المدن الذي يلاحظ من وقت لآخر أعمال هدم لبنايات ومن ثم إعادة بنائها من جديد.

وقفزت أسعار الإسمنت "البورتلاندي" المستخدمة في أعمال البناء بالعاصمة صنعاء ومناطق يمنية أخرى بنسبة تجاوزت 500% عن أسعارها في اّخر عام قبل الحرب في اليمن، إذ وصل سعر الكيس الواحد من الإسمنت الذي يزن 50 كيلوغراما إلى 6 آلاف ريال (الدولار = نحو 830 ريال في السوق السوداء) من 5500 ريال سعره قبل نحو شهر، فيما لم تكن أسعاره تزيد على 2000 ريال قبل الحرب.

في السياق، يرجع الوكيل التجاري العامل في بيع الإسمنت بالعاصمة صنعاء، فكري الرداعي، أسباب ارتفاع الأسعار بصورة متواصلة من وقت لآخر إلى انخفاض إنتاجية المصانع الحكومية التي تغذي الأسواق اليمنية بنحو 60% من احتياجاتها من الإسمنت، نظراً للصعوبة البالغة التي تواجهها في تغطية هذه الاحتياجات المتزايدة وسط منافسة ظهرت مؤخراً مع أصناف مستوردة. ويشير الرداعي لـ"العربي الجديد"، إلى تأثير أزمة الوقود أيضا في هذا الجانب.

ولم تتوقف حركة البناء في أطراف صنعاء التي تشهد توسعا عرضيا باتجاه جنوب شرق العاصمة اليمنية بل امتدت إلى وسط المدينة، إذ تلاحظ أعمال عقارية واسعة في شراء المباني القديمة وهدمها وإعادة بنائها، مع التركيز على بناء مبان كبيرة تزيد على خمسة طوابق ومراكز تجارية وسط ارتفاع كبير في أسعار المباني والأراضي.

في ظل وضعية مشابهة في عدن التي تشهد هي الاّخرى حركة عقارات وتداول وصلت لحد البسط والنهب للأراضي وسط اتهامات تشير إلى أمراء حرب نافذين وقادة مليشيات أغلبها كونتها وتدعمها الإمارات.

في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات يمنية عديدة في شمال وجنوب البلاد، تنتشر أصنافا من الإسمنت يقول باعة ومتعاملون في الأسواق إنها إماراتية، لكن بدون معرفة مصدر المنشأ الحقيقي.

حسب تاجر الإسمنت في عدن ماهر الحريبي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن هذا الصنف الإماراتي يحظى بإقبال نظراً لفارق سعري منخفض عن بقية الأصناف المحلية بأكثر من ألفي ريال، إذ يصل سعر الكيس 50 كيلو غراما إلى نحو 3 آلاَف ريال فيما تصل بعض الأصناف المنتجة محلياً إلى أكثر من 6000 ريال.

ويتفق معه المتعهد التجاري في مواد البناء بمحافظة إب وسط اليمن، صابر الحبيشي، في أسعار بعض الأصناف التي تغزو محافظات يمنية اّخرى و"التي يثير انتشارها عديد التساؤلات في اليمن"، إذ يتحدث الحبيشي لـ"العربي الجديد"، عن ارتفاع الطلب على مواد البناء بشكل عام في اليمن بصورة مريبة بالنظر إلى الوضعية التي تمر بها البلاد وأهمها مادة الإسمنت التي تعتبر من المكونات الرئيسية في أعمال البناء، وفق تأكيد عبدالله.

وحظيت صناعة الإسمنت في اليمن طوال العقود الماضية بدعم الدولة إذ تمكنت من بناء ثلاثة مصانع للإسمنت وغيرها من المصانع التابعة للقطاع الخاص وعلى الرغم من أن هذه المصانع تنتج أكبر من طاقاتها التصميمية، إلا أن إنتاجها لا يلبي حاجة السوق المحلية، ويتم تغطية هذا الاحتياج عن طريق استيراد الإسمنت من الخارج.

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر