اليمن بلا موازنة للعام الرابع على التوالي... والبلاد تعيش فوضى مالية (تقرير)

[ الفوضى المالية تزيد أزمات اليمنيين المعيشية (فرانس برس) ]

يدخل اليمن العام الرابع بلا موازنة، وفي ظل سلطتين تتقاسمان البلد إحداهما شرعية تعمل من العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي البلاد)، وأخرى للمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات في شمال وغرب البلاد، وأعلنت الحكومة المعترف بها دولياً عن اعتزامها إعداد موازنة للمناطق الخاضعة لسيطرتها، لكنها لم تفعل مما يعني استمرار الفوضى المالية والإنفاق بدون ضوابط.

ويعود تاريخ آخر موازنة أقرها اليمن إلى عام 2014، قبل انقلاب تنظيم أنصار الله (الحوثيون) وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، ثم الحرب التي يشنها تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية منذ أكثر من عامين.

وأدت الاضطرابات الأمنية والسياسية إلى تمديد العمل بموازنة 2014 لعام 2015، ثم لم يتم الإعلان عن موازنات للعامين 2016 و2017، رغم استئناف الحكومة إنتاج وتصدير النفط بشكل جزئي. كما لم تنجح الحكومة الشرعية في الإعلان عن الموازنة العامة للدولة للعام المقبل 2018، رغم تأكيدات رئيسها بالعمل على إعداد موازنة تقديرية للمحافظات المحررة في وقت سابق.

واعتبر رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي (مدني)، مصطفى نصر، أنه من المعيب عدم إعداد الموازنة العامة للدولة للعام الرابع على التوالي، موضحا أن استمرار الصرف بدون موازنة يفتح الباب أمام العبث والفساد.

وقال نصر لـ "العربي الجديد": "هذا مؤشر على عشوائية أداء الحكومة وعدم وجود خطة مكتوبة للأعمال التي يفترض أن تنجزها ولن يستطيع أحد تقييم أداءها أو محاسبتها، كما يفتح الباب واسعا أمام العبث بالمال العام وعدم إتاحة المجال للمؤسسات الرقابية أن تراقب أداء الحكومة.

وأوضح نصر، أن غياب برنامج الحكومة يحد من مستوى الثقة لدى المواطنين، ناهيك عن أنه يضع الحكومة في محل شك واتهام دائمين، مؤكداً أن الحكومة ما زالت تعمل في بيئة عشوائية ولا تتصرف كحكومة فاعلة ومسؤولة.

وينص الدستور اليمني على أنه يجب عرض مشروع الموازنة العامة على البرلمان ممثلا بمجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية، ويتم التصويت على كل باب بمفرده في مشروع الموازنة وتصدر بقانون، ولا يزال البرلمان اليمني ممزقاً منذ ثلاث سنوات بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين.

وكانت وزارة المالية اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن، نظمت يوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، لقاءً تشاورياً لقادة الوزارة والمصالح الإيرادية التابعة لها لمناقشة إعداد موازنة تقديرية لعام 2018 في المحافظات المحررة وذلك بالتنسيق مع وزارتي التخطيط والتعاون الدولي والخدمة المدنية. 

وأكد نائب وزير المالية، منصور البطانية آنذاك، أن وزارته تعمل في ضوء توجيهات الرئيس هادي ورئيس حكومته بضرورة إعداد موازنة تقديرية للعام القادم 2018 في المناطق المحررة، وأن اللقاء يهدف إلى إعداد المؤشرات الرئيسية العامة من خلال التعرف على عملية حشد الموارد المتعلقة بالإيرادات وتقليل الإنفاق غير الضروري مع تحديد النفقات المختلفة (الجارية والاستثمارية) وتحديد الآليات المناسبة وتعزيز الدور الرقابي لرفع الأداء في وزارة المالية والمصالح الإيرادية التابعة لها.

لكن مع اقتراب العام الجديد لم تعلن الحكومة عن الموازنة في خطوة مماثلة لما حدث العام الماضي، حيث أعلنت نهاية عام 2016 أنها تعكف على إعداد موازنة 2017، قبل أن تعلن عن تمديد العمل بموازنة 2014 التي بلغت 13 مليار دولار، مع عجز يقدر بنحو 3 مليارات دولار.

ويعاني اليمن أزمة مالية خانقة، وأهدرت كثيراً من ثرواته، وتوقفت بشكل كامل الموارد المالية للدولة، وعلى رأسها النفط الذي كان يشكل 70.8% من إيرادات الموازنة. 

وفي هذا السياق، أكد الخبير المالي فكري عبد الواحد، لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن وضع موازنة متهرئة ومجزأة بينما لا يتم توريد الإيرادات إلى حساب الحكومة في البنك المركزي.

وقال عبد الواحد، وهو مدير عام سابق لقطاع الموازنات بوزارة المالية اليمنية: "من الصعب الحديث عن إعداد موازنة للعام الجديد في ظل استمرار الحرب وانقسام البلاد بين حكومتين، إحداهما في عدن تمتلك الموارد والنفط والغاز ولا تمتلك البيانات والكوادر، وأخرى في صنعاء تتوفر لها البيانات والإمكانات الفنية والبشرية ولا تمتلك الموارد".

وأدت الحرب وسيطرة الحوثيين على صنعاء ومؤسسات الدولة منذ سبتمبر/أيلول 2014، إلى تعليق دعم المانحين وزيادة عجز ميزان المدفوعات، وتآكل الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي من 4.7 مليارات دولار في شهر ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 600 مليون دولار في ديسمبر 2017، بحسب البنك المركزي اليمني.

وأوضح تقرير للبنك صدر نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن استنزاف الاحتياطات الخارجية تسبب أيضاً في استنفاد خيارات معالجة وضع البنك، وعجزه عن سداد التزاماته الداخلية في صرف المرتبات منذ يوليو/تموز 2016، وعجزه منذ مايو/ آيار 2016، عن الوفاء بالتزاماته الخارجية في سداد التزامات المديونية الخارجية للجهات الثنائية متعددة الأطراف، وتلك الالتزامات التي نشأت للبنوك اليمنية مقابل فتح الاعتمادات المستندية لواردات السلع الأساسية.

وأشار التقرير إلى أن الاستنزاف للاحتياطيات الخارجية، أدى إلى استنفاد المخزون النقدي بالعملة الوطنية خلال نفس الفترة، والقيام بضخ الأوراق النقدية التالفة الآيلة للتدمير، مقابل عجز البنك عن الطباعة أو استقبال منح وقروض خارجية؛ كونه كان مكبلاً ويرزح تحت الهيمنة والتهديد في صنعاء.

ولا يزال البنك المركزي اليمني معطلاً، منذ قرار نقل مقره في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، أي منذ نحو عام، إذ تعثّر في دفع رواتب موظفي الدولة وتوفير خطوط ائتمان لمستوردي الأغذية والوقود من القطاع الخاص، مما أدى إلى تعطل شبه تام للقطاع التجاري، إذ تسبب احتفاظ الحوثيين بفرع البنك المركزي في العاصمة اليمنية وعدم تشغيل المركزي من عدن في شلل مصرفي. 

وارتفع الدين العام الداخلي لليمن إلى أكثر من 5.5 تريليونات ريال (21.6 مليار دولار) في فبراير/ شباط الماضي، مقابل 3.1 تريليونات ريال (7.8 مليارات دولار) في يناير/ كانون الأول 2015.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر