‏اكتملت بمأرب.. الصحفي "طرموم" وفرحة زواج على أمل نجاة زملائه الصحفيين من سجون "الحوثي" 

[ الصحفي هشام طرموم ]

عَلَى "سُلّم" طائرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقبل رحيل شمس الـ 15 من أكتوبر 2020م، بمطار سيئون الدولي، كان يعيش "هشام طرموم"، لحظات مشاعر مضطربة، لم يكن مصدقاً بعد بأنه سيرى الوجوه التي أحبها، أو أنه سيسمع الضحكات التي ما زالت نبراتها، عالقة في أجزاء من الذاكرة.

كل ما يتمناه لحظتها، الصحفي المفرج عنه، " هشام طرموم" 29 عاماً، هو أن يعانق والديه، وبقية أسرته، التي غُيب عنها سنوات، في سجون باطنها ومن قبلها العذاب والجحيم..

ساعتها كان متلهفاً لكل شيء أمامه، يسابق النظرات والخطى للنزول من سلم الطائرة، إلا أن عينيه تعلقت بعدد من زملائه الصحفيين ممن حضروا حينها لاستقباله، فكانت دقائق ليستذكر ماضياً جميلاً، حيث لكل واحد من مستقبليه قصة معه، وأحلام وحكايات، منها التخطيط للمستقبل، وأول عتباته لا بد أن يكون الاستقرار وبناء بيته، "طوبة طوبة"، إلا أن المليشيا رمت به و8 من زملائه في أقبية و "زنازن" لا ترحم، كتمت على صدورهم وأنفاسهم وأحلامهم الطرية بصخور قسوتها، وجبال حقدها، وزاد من تراكمها عليهم كونهم صحفيين، فهم مجرمون في عُرف المليشيا وعقيدتها ويجب أن ينزل عليهم أشد العقاب.

واليوم احتفل "طرموم" بعرسه، بعد أن أحصى الثواني للقاء السعادة التي انتظرها، وانتظرته، كل هذه السنين، فكان تتويجاً لقصتهما معاً، هو وقرينته، التي ارتبطت حكايتها هي الأخرى بحكايته، لذا ستظل تردد - وإن لأبنائهما وأحفادهما أجيالاً قادمة- سيتحدثون عن قصة بطلين، لم يستسلما، بل شكلا تحدياً ونجحا فيه رغماً عن الصعوبات التي واجهتهما طيلة سنوات من التغييب والانتظار. 

في قاعة "ملوك سبأ" وسط مدينة مأرب، التي تضج بالحياة، رقص قلب وفؤاد "طرموم"، ذي السحنة المائلة للسمرة، وهو القادم من ريف محافظة حجة، المتاخمة للريف التهامي، والذي اكتسب من تربتها ألقه وصلابته، وتمسكه بأحلامه حتى النهاية، ووفائه لقصة حبه الأولى، والتي توجت أخيراً كالملوك، في قاعة فسيحة علت فيها الزغاريد والصرخات المباركة، وتماوجت الأقدام رقصاً فرائحياً، متنوعاً ما بين الصنعائي، واللحجي، الشرح والبرعة، ورقصات أخرى، أعلنت فصلاً جديداً لـ "علان" وتوحدت المواسم في موسم واحد هو موسم "هشام طرموم".

توزعت القبلات والابتسامات في وجه طرموم، من كل زملائه، وكل الحاضرين والمدعوين، من مختلف المحافظات اليمنية، حيث بدأ الحفل، بالسلام الوطني، الذي كان وطنياً خالصاً تنزل برداً وسلاماً، ومفتتحاً لجنةٍ فيها تحية وسلام لطرموم، هكذا حدث نفسه لحظتها، إلا أن عيناه لا تفارق اللوحة الكبيرة التي زينت واجهة القاعة، والتي فيها صورته، وبزي عرسه، إلا أن أوجه من بقي من زملائه، ما زالت هي الأخرى عالقة في صدره، غصة يتمنى أن تزول وأن تحتفي السعادة بهم، كما احتفت به.

بدا الحفل زاهياً، وما يشبه الانتصار، ومن أجمل الانتصارات حين يتغلب الإنسان على ما مر به ليستأنف حياته مجدداً، "يستأنفها" من حيث توقفت، وهو ما عمله هشام تماماً، قال ذلك كل الحاضرين، وهم ينظرون إلى وجهه، إنه يعيش الانتصار، كما يعيشون هم، الانتصار على السجان والجلاد، الذي لا يجيد سوى الموت لا الحياة.

طيلة أسابيع وهشام ووالده وإخوته وأقربائه، وجيرانه، يعدون لهذه اللحظات الاستثنائية، التي لن تتكرر، إنه العرس المنتظر منذ أكثر من ست سنوات، لذا لا بد أن يكون الفرح هو ما يليق به، مشاعر الابتهاج هي الطاغية وكان ذلك، وهو الابتهاج الذي انعكس على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي شارك فيه صحافيون وإعلاميون وكتاب وحقوقيون.

ابتهج الجميع، ليسوا من هم في المخيم الكبير "الجفينة" أو في جزء منه وهو ما يطلق عليه مربع "حجور" حيث أصبح فيه منزل هشام ومنزل أسرته التي هربت من جحيم الحوثي، ابتهج اليمن الكبير، بعرسه، كونه أصبح أيقونة هو وزملاؤه الآخرون، ممن قارعوا الاستبداد الحوثي، وعانوا جراء ذلك سنوات اقتطعت من أعمارهم في زنازين الظلم والاستبداد الإمامي الجديد. 

من جهتها الأسرة الصحفية المتواجدة في مدينة مأرب، والتي كان لهم حضورها الخاص، ومشاركتها الكبيرة في إحياء الفرح، أكدت أنها منذ سنوات تنتظر مثل هذه اللحظات، وأن قصة الصحفيين المختطفين، هي قضيتهم بالمجمل، التي كانت وستظل شغلهم الشاغل، حتى إخراج جميع المعتقلين لدى مليشيا الحوثي، وأولهم الصحفيون الأربعة.


فرحة ناقصة

وفي الحفل عبرّ الصحفي المفرج عن فرحته، مؤكداً أنه تلقى الكثير من التهاني والتبريكات من الزملاء والأصدقاء، منهم من حضر، ومنهم من بعث لهم بالتهاني، هاتفياً أو على حساباته في التواصل الاجتماعي.

وقال إنه لم يتلق التهنئة من أربعة زملاء، وهم، عبدالخالق عمران، وتوفيق المنصوري، واكرم الوليدي، وحارث حميد.. مشيراً إلى أن السبب معروف، كونهم مختطفون في سجون مليشيا الحوثي.

وأضاف "كنت أتمنى أن يشاركوني هذه المناسبة، وقد حرمت شرف مشاركتهم لي في هذه، وأتمنى خروجهم".. مشيراً إلى أنه حاول التعويض لعدم وجودهم معه في فرحه بوضع صورهم، في قاعة الاحتفال.

ودعا الصحفي المفرج عنه "طرموم" كافة أحرار العالم النظر إلى قضيتهم والاهتمام بها، والضغط من أجل تخليصهم من قبضة السجان، وإعادتهم إلى حياتهم وأسرهم.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر