الإنترنت في اليمن: كابوس الحرب ولعنة الاحتكار

[ تعرّض شبكات الاتصالات لـ1500 غارة (أحمد الباشا/فرانس برس) ]

يشكل الإنترنت في اليمن متنفساً وحيداً لكثيرين من سكان البلد الذي يعاني من حربٍ منذ أكثر من 4 سنوات، في ظل تقلّص عدد المستخدمين للتلفزيون نتيجة انقطاع الكهرباء عن معظم المحافظات منذ بدء الحرب، غير أنه يتحول في أوقات عدة إلى مشكلة تضاعف المعاناة بشتى أنواعها. 

يواجه الإعلامي عبد اللطيف الوشلي، صعوبةً في إرسال التقارير التلفزيونية للقناة التي يعمل مراسلاً لها من صنعاء نتيجة البطء في سرعة الإنترنت، "خاصة في الأحداث الطارئة التي تستلزم منّا سرعة في التغطية ومواكبة الأحداث أولاً بأول، وفي الحصول على مواد تصويرية بدقة عالية" على حد قوله. 

ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "ذلك يضطرنا لرفع التقارير إلى سيرفرات أخرى إن لم نتمكن من إرساله إلى الـFTP الخاص بالقناة".

بنية تحتية هشّة

يفتقر اليمن إلى البنية التحتية للاتصالات بشكل عام، إذ ما زالت "المؤسسة العامة للاتصالات والإنترنت" تستخدم الأسلاك النحاسية عبر خدمة ADSL، وهي قديمة جداً. أنشئت لغرض الاتصالات الهاتفية ثم أضيفت خدمة الإنترنت ADSL في السنترالات عبر هذه الأسلاك، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى الخدمة بالألياف الضوئية، بحسب المهندس أحمد العليمي، رئيس نقابة الشبكات الخاصة. 

من جانبه يقول المهندس زكريا الكينعي، وهو أحد مؤسسي حملة تحسين الإنترنت في اليمن، إن "هذه الشبكة ضعيفة وقديمة جدًا وغير قادرة على توصيل خدمة مناسبة للمواطن، علاوة على أنها غير متوفرة في الكثير من المناطق في العاصمة وبعض المحافظات اليمنية". 

يضيف العليمي لـ"العربي الجديد" أن "السعة الدولية للإنترنت في اليمن مستأجرة من شركتي أفلاج، وعُمان تل، ومجموع السعة 57 غيغا بينما يتم بيع أكثر من 500 غيغا عبر خدمة ADSL وهو ما ليس متوفراً لدى المؤسسة، وغير ما يتم بيعه للشركات الاتصالات ولخدمات أخرى مثل "WiMAX، وYahClick" والقنوات المؤجرة لخدمة الإنترنت". 

حتى عام 2014، لم يشترك اليمن في أي كابل بحري للإنترنت، لكنه في العام ذاته اشترك في كابلين فقط من واقع 11 كابلاً تمر من البحر الأحمر والبحر العربي. "هذان الكابلان لم نستخدمهما بسبب الحرب والحصار على اليمن، حيث انتهت مشاريع الكابلين عام 2016" حد قول العليمي.

ارتفاع تكلفة

إلى جانب بطء الخدمة، تعد أسعار الاستهلاك للإنترنت في اليمن مكلفة جداً، ما يشكل صعوبة كبيرة في الحصول عليها من قبل الكثير من سكان البلاد التي يقع 80 في المائة منهم تحت خط الفقر نتيجة الحرب والحصار وانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة منذ أربع سنوات. 

يقول الكينعي بأسى: "قد لا يستطيع المواطن البسيط تحمل التكلفة بالمقارنة مع متوسط دخل الفرد، لا سيما في ظل انقطاع المرتبات نتيجة الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد". 

ويضيف في حديث إلى "العربي الجديد": "بعض مستخدمي الإنترنت في بعض المناطق محرومون من الحصول على أبسط الخدمات التي تتوفر لدى أي مستخدم في دول أخرى مثل التعلم والعمل عن بعد نظرًا لسوء الخدمة".

في اليمن، قد يستغرق إجراء تحديث نظام التشغيل لجهاز الحاسوب أياماً، كما أن تنزيل بعض البرامج من الإنترنت أمر صعب، إذ يستغرق تنزيل الواحد غيغا قرابة اليوم في بعض المناطق. عن ذلك يقول الكينعي، أنه "يحدث في بعض الأوقات نتيجة لخلل فني أو انقطاع في الروابط الدولية، أو حتى زيادة عدد المستخدمين في أوقات الذروة في بعض الأيام.

ويرى اليوتيوبر منير العمري، أن المعاناة تكمن في الضغط على الخطوط في أوقات معيّنة، "فعلى سبيل المثال لا أستطيع رفع الفيديوهات على قناتي من السابعة إلى الساعة الحادية عشر مساءً، باعتبارها وقت الذروة لاستخدام الجميع، وهذا يشكل صعوبة حتى على المتصفح العادي فضلاً عن الرفع". 

ويضيف في حديث إلى "العربي الجديد"، أن المعاناة "ليست بالحجم المهول لأن ذلك يتوقف على الشبكة التي أقوم برفع الفيديوهات من خلالها، والاستطلاع والمتابعة فيها، وعدد الأشخاص المستخدمين للشبكة في الوقت الواحد". 

ويقول العمري إن غالبية متابعيه يمنيون لكن الاستطلاعات التي يقدمها له يوتيوب تشير إلى أن أعلى نسبة للمشاهدة من دول أخرى، فيما أقلها من اليمن، إذ يكتفي اليمنيون بالنقر على الفيديو ولا يستمرون في مشاهدته لأن ضعف الإنترنت وزيادة تكلفته لا يتيحان لهم المشاهدة، وهذا يشكل عائقاً، أمام رسالته.

غير مقنع

وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة الحوثيين، المهندس مسفر عبد الله النمير، تحدث في مؤتمر صحافي أواخر الشهر الماضي عن أن استخدام اليمنيين للإنترنت بشكل متواصل هو السبب في بطء السرعة وكثير من المشكلات الحاصلة، وقال إن "المستخدم في دول العالم يتصفح الإنترنت لقراءة الإيميل ورسائل الوسائط المتعددة، بعكس اليمني الذي يستخدمه لتصفح كافة البرامج والمواقع من أكثر من هاتف".

تصريحات الوزير أثارت ضجة إعلامية، خاصة أنها "لم تقدم الحلول المنتظرة منه من قبل اليمنيين ولم تكن إيجابية بل على العكس من ذلك، اتضح من خلالها هشاشة البنية التحتية لقطاع الاتصالات"، كما يقول الإعلامي الوشلي. 

ويضيف أن مشكلات الإنترنت في اليمن تأتي "نتيجة تراكمات لعقود من الزمن، والأنظمة السابقة لم تقم ببناء شبكة اتصالات تلبي احتياجات اليمنيين وتواكب ما وصل ويصل إليه العالم من تطور في هذا القطاع الحساس، بالإضافة إلى احتكار الإنترنت لصالح مؤسسة وحيدة". 

ويعزو الكينعي مشكلات الإنترنت إلى عدم وجود المنافس أمام المزود الوحيد، بالإضافة إلى ذلك "حال الاحتكار تمنع تطوير البنية التحتية وبالتالي لم يكن هناك دافع كبير لتطوير الخدمة من قبل المؤسسة، أو منافس آخر يقدم هذه الخدمة"، حد قوله. 

من جانبه، يقول العليمي إن المؤسسة لم تقم بتطوير خدمتها بسبب عدم وجود المنافس، إضافة إلى أن الكادر لديهم ليس مؤهلاً لتحمّل مسؤولية تطوير الخدمة ومواكبة التطور العالمي في هذا المجال". ويضيف: "تعتمد المؤسسة كلياً في مشاريع التوسعة والتطوير على شركات خارجية تتبنى كامل المشروع، فكل مشاريع التوسعة والتطوير كانت تنزل بها مناقصات وتقوم بها الشركة التي ترسو عليها المناقصة".

للحرب أثر

إلى ذلك، ساهمت الحرب في تردي وضع الاتصالات في اليمن بشكل كبير، إذ تعرضت بنيتها التحتية لـ1548 غارة جوية شنتها طائرات التحالف واستهدفت بشكل مباشر مواقع ومنشآت تتبع الاتصالات، بحسب تصريحات الوزير في حكومة الحوثيين مسفر عبد الله النمير، والذي أشار إلى أن 60 مدينة ومنطقة وقرية تم عزلها عن العالم بسبب تدمير شبكات أبراج الاتصالات والإنترنت بشكل كامل ومنع تأهيلها وإعادة تشغيلها. 

ويحتاج الإنترنت في اليمن إلى التطوير، من خلال استخدام تقنيات الـ4G والـ5G كما هو الحال في كثير من دول العالم، بالإضافة إلى زيادة سعات الروابط (اللينكات) الدولية والانتقال إلى الإصدار السادس من عناوين الإنترنت IPv6، على حد تعبير الكينعي، الذي يشير إلى أن عدد المشتركين في الخدمة حالياً يفوق عدد عناوين الإنترنت IPv4 المتوفرة لدى يمن نت. 

ويضيف أنه "إلى جانب ذلك، نحن بحاجة إلى كسر الاحتكار والسماح بدخول شركات منافسة لتقديم الإنترنت، وهذا ما قد لا يتوفر في الوقت الحالي نتيجة استمرار الحرب".

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر