نزاعات اليمنيين.. عندما يعوّض العُرف القبلي محاكم الدولة

[ تحكيم قبلي في مأرب ينهي قضية ثأر منذ اربعة عقود ]

تجمّع سكان قرية حجر بمحافظة الضالع (جنوبي صنعاء) ليشهدوا اللحظات الأخيرة في حياة نبيل مقبل الذي بدا مغمض العينين وبجسد نصف عار وهو يرجوهم أن يعطوه بعض الوقت ليوصي لأطفاله، وبعد ذلك تلا أحدهم الحكم الصادر بحقه «القصاص والتطهير من ذنب القتل العمد».

وكان نبيل قتل ابن عمه صدام، فتم اقتياده مكبلا إلى مكان الحادث، وعلى مرأى الجميع شحن شقيق صدام الأصغر سلاحه الكلاشينكوف، وأطلق على نبيل النار ليرديه قتيلا، فردد الجميع مباشرة «عفا الله عما سلف».

وكان أحد شيوخ القبائل يرفع صوته، وهو يشيد بأسرة القاتل والقتيل -اللتين حضرتا مشهد الإعدام-معتبرا أنهما «لم يسمحا للشيطان أن يفرّق بين الأسرة، وتقبلا الحكم، ولم تعد أي أسرة تحمل دما للأخرى، بالدين وعرف القبيلة».

أفضل من القانون

نزع الحادث فتيل التوتر بين الأسرتين، وحال دون أن تنشب بينهما قضية ثأر، لكنها واحدة من المرات النادرة أن يفصل حكم قبلي في قضية جسيمة عوضا عن القانون.

ويقول عقيد اليافعي، وهو شيخ قبلي في المنطقة، إن الحكم صدر بعد تشاور بين القبيلة، وحكم القتل العمد هو القصاص.

ويضيف للجزيرة نت «القاتل اعترف بقتل ابن عمه عمدا وكان هناك شهود، القضية واضحة، ورغم ذلك كانت هناك مساع لتسليم القاتل إلى القانون، لكن أسرة القتيل رفضت وقبلت بالتحكيم القبلي».

وتقبلت الأسرتان الحكم عن طيب خاطر ودون تردد، وبحسب اليافعي فإن «العرف القبلي يحتّم عليك بالقبول بالحكم من المُحَكم مهما كان، لأي قضية».

ويعزو اليافعي ما يحدث إلى أن الدولة لم تعد موجودة والمحاكم مغلقة، وفي حال سُلّم القاتل للسلطات فإن تطبيق الحكم لن يتم إلا بعد سنوات مما سيغيظ أسرة القتيل، وربما يكون ذلك سببا في اندلاع قضية ثأر لن تنتهي، فلذلك كان القصاص أولى.

واعترض الشيخ على إطلاق الحكم وتنفيذه بتلك السرعة «إذ أن ذلك لم يسمح للشخص أن يوصي وأن يطلب العفو من الله وأسرته وأسرة القتيل».

عرف قبلي

ولجأ اليمنيون مؤخرا إلى إحياء دور القبيلة في حل النزاع بين المتخاصمين، إذ أن اللجوء إلى القانون أصبح معضلة كبيرة من ناحية أن القضايا لا يتم البت فيها، بينما يُستنزف المتقاضون ماليا بدفع الرشاوى إلى الشرطة وغيرها.

ولا توجد حصيلة محددة بعدد القضايا التي جرى حلها بالعرف (الحكم) القبلي، وغالبا ما تكون فيه العقوبة معنوية، تتمثل في ذهاب الجاني وأسرته وقبيلته إلى منزل وأسرة وقبيلة المجني عليه، وذبح الماشية والاعتذار أمام الملأ وطلب الصفح.

كما أنه يُحتم على المجني عليه أن يقبل الاعتذار، ومن يرفض ذلك فإنه يرتكب عيبا بحقه وحق أسرته وقبيلته.

ولا يتوقف الأمر عند العقوبة المعنوية فقط بل إن بعض القضايا تُرفق إليها التعويض المادي «الغرم» وتتم تلك المراسم عقب إشهار لأبناء القبيلتين، وفي بعض الأحيان يخالط ذلك إطلاق للنار.

وتَعزّز حضور حكم القبيلة على القانون مع تشجيع السلطات لهذه الحلول، حتى وصل الأمر إلى أنه في حال قدم طرفان إيضاحات بأن قضيتهما -التي تكون أمام القانون والقضاء-جرى حلها قبليا، فإن السلطات تسلّم بذلك وتغلق ملف القضية.

كما أن جماعة الحوثيين -التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، و95% من مسلحيها رجال قبائل-تشجع على الحلول القبلية.

ويقول جميل علي (تاجر ذهب) للجزيرة نت إنه سحب قضيته من المحكمة التجارية، ولجأ للتحكيم القبلي في قضية إفلاس، وخلال أسبوع واحد حلت القضية التي بقت في المحكمة منذ 2014.

وقبل أسبوعين، أنهى صلح قبلي قضية التهديد التي تعرض لها مدير عام الحسابات بالبنك المركزي علي الشعبي.

فض النزاعات

ومنذ 2015، تتواصل الحرب بين الحوثيين والحكومة المسنودة من التحالف السعودي الإماراتي. وفضلا عن تسببها في سقوط آلاف الضحايا، فإنها أدت أيضا إلى اختطاف وأسر 14 ألف شخص لدى الحوثيين، بينما لا يعرف عدد المختطفين في سجون الحكومة.

وتعقد ملف الأسرى أمام مبعوثيْ الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ ومارتن غريفيث في المشاورات، ولم يحرزا فيه أي تقدم، بينما أدت الوساطات القبلية للإفراج المتبادل عن المئات من الأسرى.

ويقول أستاذ علم الاجتماع والسياسة محمود إبراهيم إن القبيلة ساهمت في الإفراج عن الأسرى بينما فشلت الأمم المتحدة.

ويضيف للجزيرة نت أن الجهود القبلية مهمة في عملية السلام، ومهمة فض النزاعات بالمجتمعات الأهلية لا يقتصر على دور المجتمع الدولي فقط، بل إن أعراف المجتمع المحلي والقبيلة تسهم بشكل أكبر.

وأكد أن هناك أعرافا في الحرب -وإن كانت بعض الأطراف قد انتهكتها-لا يمكن لأي مسلح أو جندي أن يفتش أو يعتقل امرأة، و«هذه القيم قلما تجدها في مجتمع آخر».

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر