خلل في معنى الوطن


هناء ذيبان

في زمن أشدّ ظلمة وقسوة من العصور المظلمة الغابرة، تتساقط فيه الأرواح كأوراق الخريف، بتنا لا نتنفّس إلّا رائحة الموت، ونتانة الدّم.
 
تتبدّل معالم أوطاننا، وتتبدّل معها قلوبنا وعقولنا، ونحيا فوضى تنطلق من داخلنا، لتخرج إلى واقعنا.
 
نحن في حالة اضطراب واختلال، والأسباب عديدة، ولكن السّبب الأهمّ عاطفتنا وانجرارنا وراء شعارات فارغة، وغير مسئولة.
 
هناك من ينادي باسم الدّين، وآخر باسم الوطن، وآخر باسم الحرّيّة، وكلّ يتحدّث عن هدف واحد، ألا وهو الوطن...
 
لا أدري إن كنّا نعي حقيقة مفهوم الوطن، ومقوّماته! أو ندرك مفهوم المواطنة ومعناها! بدليل ما بتنا نعيشه كلّ يوم’ بل كلّ لحظة من صراعات واقتتال باسم الحفاظ على الوطن...
 
مع النّظام، أو ضدّ النّظام، هو المعيار والمقياس الّذي نقيس به اليوم قيمة الفرد. وهو بحسب انتمائه للأوّل أو للثّاني، إمّا إن يكون مواطناً صالحاً، وإمّا خائناً.
 
فمن الذي وضع هذه المعايير؟
 
إن قلنا الطّبقة الحاكمة، فلقد أظهرت هشاشتها، فهي لا يهمها كثيراً قيمة الفرد، ولا تعنيها إنسانيّته..! هو مجرّد رقم ضمن عدد يكسبها القدرة على التّحكّم والتّسلّط، ويشبع عطشها إلى السّلطة.
 
وإن قلنا الأخ في المواطنة، فلقد أظهر عن تعصّب مقيت، وأحاسيس عنصريّة تعايش معها طويلاً، وخزّنها عقله الباطن على مرّ السّنين، وما إن سمحت الفرصة، أخرجها اليوم ليواجه بها أخاه في المواطنة...!
 
النّظام ليس الوطن، والانتماء إليه لا يعني الانتماء إلى الوطن. كما أنّ معارضة النّظام لا تعني الخيانة، فمن حقّ المواطن أن يحاسب النّظام الّذي يعيش في كنفه. هذا وفق الأصول الديمقراطية، الّتي تبقى ضمن إطار النّظريّات.
 
نحن ننتمي إلى أنظمة أو لا ننتمي، ولا يعنينا الوطن كثيراً، ننجرّ وراء طوائفنا ومذاهبنا لأنّنا نخاف من بعضنا البعض.
 
لم نتعلّم يوماً معنى القوميّة التي نتشدق بها، وإن كنّا نعلم مدلولها، وإلا لمَ تحوّل أخونا في المواطنة إلى عدوّ لدود؟ نصوّب عليه أسلحتنا وهذا ليس بجديد، فلطالما كنّا ننتمي إلى الزّعيم أو شيخ القبيلة أو الطّائفة، ونتوهّم أنّنا ننتمي إلى وطن.
 
إنّ تركيبة أوطاننا هي تركيبة طائفيّة وعنصريّة، وإن ادّعينا الانفتاح وحرّيّة الرأي، وإلى ما هنالك من شعارات رنّانة، فما إن تواجهنا المخاطر حتّى نلتفّ حول طوائفنا، ونستعدّ لمحاربة الآخر. كما أنّنا مستعدّون لتدمير الوطن في سبيل إحياء النّظام أو إسقاطه. ناهيك عن العبث في القيمة الإنسانيّة الّتي باحترامها وتقديسها تبنى الأوطان.
 
إن الوطن مجموعة أفراد، يتضافرون ويتعاونون على بنائه وتقدّمه. وحين تلُمُّ به الملمات وتعتريه الشّدائد، يتلاحمون على قلب رجل واحد لمواجهتها بعزم وقوّة.
 
فمتى نعي ذلك؟
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر