عندما نخشى أمريكا وننسى الله!


منذر فؤاد


بينما كان آلاف المتظاهرين المصريين، يواصلون اعتصامهم في ميادين الثورة، تداولت وسائل الإعلام تصريحات للرئيس الأمريكي باراك أوباما، يطالب فيها مبارك بالتنحي الفوري، فاعتبرها البعض بأنها مؤشر قوي نجاح الثورة، وراح يصفق للموقف التاريخي للولايات المتحدة، بل ويطمئنها بأن الثورة لن تمس بمصالح أمريكا في المنطقة.
 
في اليمن وليبيا وسوريا، تكررت نفس التصريحات الأمريكية المطالبة بتنحي رؤساء هذه الدول، وتكررت معها الآراء المرحبة بالموقف الأمريكي بشكل مبالغ فيه، بدت فيه أمريكا قائدة هذا العالم، ولم يبق سوى الإذعان لها ومبايعتها على السمع والطاعة، هكذا تظهر أمريكا وفق رؤية انبطاحيه لبعض القوى السياسية العربية، العلمانية بشكل أخص.
 
عندما يغيب الخالق جل في علاه، عن أذهان الكثيرين، تبدو أمريكا كإله يتحكم بمصائر العالم والأرض والناس، هي من تستطيع إسقاط الأنظمة أو إعادتها، هي من تستطيع النهوض بالشعوب أو هبوطهم إلى الدرك الأسفل في الدنيا، هي من بيدها القرار في إشعال المنطقة أو إطفائها عندما تشتعل، هكذا يحدثك البعض عن إرادة أمريكا وينسى إرادة الله!
 
إن التسليم المطلق بكونية القوة الأمريكية، والترويج لها في كل صغيرة وكبيرة، إنما هو ضرب من العجز والوهن، وموقف يتنافى مع العمل والأخذ بالأسباب، كما أنه أصبح مبرر لتقديم قرابين الطاعة لواشنطن عند كل خطوة مؤثرة تحدث في بلداننا وأوطاننا، وكمثال بسيط على ذلك، فإن غالبية الانقلابات العسكرية التي حدثت في أوطاننا، كان أصحابها يبلغون الولايات المتحدة قبل الإقدام عليها، كخطوة أولى في تقديم الطاعة والولاء، والدوران في فلك واشنطن، باعتبارها قوة لا تعلوها قوة، يجب إحاطتها بعظام الأمور وصغائرها.
 
كثيرون هم الذين يعصبون أعينهم عن رؤية الوجه القبيح للولايات المتحدة، ولايرونها سوى دولة مثلى في القيم الإنسانية، والحقوق والحريات، والإنصاف والمساواة، في محاولة لتجميل القبح الذي يغطي ملامح التاريخ الأمريكي منذ ظهورها كدولة مستقلة ضمن العالم الجديد.
 
قبل أن تظهر أمريكا على هذا الكوكب أواخر القرن الثامن عشر، كان السكان الأصليون لها، يبادون بشكل رهيب على أيدي المستعمرين الجدد، مجازر وحشية نتج عنها ملايين القتلى وأضعافهم من المشردين، على أشلائهم قامت دولة أمريكا، الدولة التي أنشأها أرباب الاقتصاد العالمي، لاستخدامها في إخضاع العالم، والسيطرة على ثرواته و أراضيه، بمساعدة الرعاع والمتدثرين بثقافة الغرب، ممن يشككون في قدرة الله، ويؤمنون بكل ما تقوله أمريكا!
 
ومما يحز في النفس، أن كثير من الحكومات العربية والإسلامية، قدمت ولاتزال تنازلات كبيرة، منها ما يمس عقيدة وقيم المجتمع، ويتعارض مع مبدأ الحاكمية لله، نزولا عند رغبات الولايات المتحدة الرامية لسلخ الهوية الإسلامية، وإبدالها بهوية عصرية غربية، وأيضا حتى لا تصنّف أمريكيا ضمن زاوية معينة، وتبقى قابعة ضمن المغضوب عليهم من قبل العم سام" أمريكا".
 
إن الإيمان المبالغ فيه بقوة الولايات المتحدة، وقدرتها في التأثير على كثير من الأحداث والمجريات، قد أفسح المجال لأمريكا لإحداث تأثير أكبر انطلاقا من الإيمان المطلق بتأثيرها، حتى وإن كان محدودا، وهذا بالطبع، انعكاس طبيعي لغياب الارتباط الحقيقي للدول المسلمة بعقيدتها، وما يترتب عليه من الأخذ بالأسباب، والاستناد إلى العقيدة في مواجهة الظلم والاضطهاد، الذي تقوم به القوى المؤثرة في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
 
أمريكا قوية لكن قوتها أضعف من ارتباطنا بالله، أما في أذهان من ينسى الله، فتبدو الولايات المتحدة ذو قوة مطلقة ويستحيل هزيمتها، وشتّان بين من يؤمن بالله وبين من يؤمن بأمريكا!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر