"تريد واشنطن من السعوديين أن يسعوا إلى إيجاد حل دبلوماسي للحرب، من خلال إعادة فتحهم قناة اتصال خلفية عُمانية مع الحوثيين، ومن ثم تفريقهم عن رعاتهم الإيرانيين (الذين يبدون ممتنين من مدى تأثيرهم على الصراع بالحد الأدنى من المشاركة من جانبهم."
 
الفقرة أعلاه هي من مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وتصادف قرب الذكرى الثالثة لقيادة السعودية تحالفا عربيا لإعادة حكم الرئيس هادي إلى اليمن ضد انقلاب قاده الحوثي بالشراكة مع صالح حليف السعوديين على مدى عقود، دون أي بوادر لإحداث انتصار حاسم أو الجنوح إلى سلام مستدام، فما هي أفق هذا المسار؟
 
سيطرة إيرانية مطلقة على الحوثيين بفوائد كبيرة وتكاليف قليلة على حساب السعودية:
 
انتقل افراد من أسرة بدر الدين الحوثي من السعودية للدراسة في إيران عقب نجاح الثورة الإيرانية، وبإلهام منها عاد بعضهم إلى صعدة إحيائيا لتنشيط مذهب الإمامية القريب فكريا من إيران، وعقب سقوط العراق واحتلاله من قبل أمريكا واستفادة إيران بشكل واسع من الغزو الأمريكي تحرك الحوثيون بعد قرابة عام واحد فقط في اليمن ليشعلوا أول حرب عسكرية في صعدة جوار الحدود السعودية.
 
تاليا بعد عشر سنوات كاملة استطاعوا إسقاط صنعاء عسكريا في سبتمبر 2014 ، وبعد ثلاثة اشهر من سقوط الجمهورية، تحدث السياسي اليمني عبدالكريم الإرياني أمين عام المؤتمر الشعبي العام لموقع 26سبتمبر في 12-12-2014م، عن كواليس بعض المفاوضات الفاشلة التي قادها كممثل عن الحكومة اليمنية مع الحوثيين لتلافي إسقاط صنعاء عسكريا وهدم الدولة للكشف عن حجم السيطرة الإيرانية على القرار الحوثي، قال إن ممثلي الحوثي رفضوا قبول ما كنا قد توصلنا إليه أثناء المفاوضات لكنهم وافقوا عليه لاحقا دون أي تعديل والسبب ببساطة أن الإيرانيين أقروه وهم وافقوا دون اعتراض وحمل نص الاتفاق الوسيط العُماني بين الرئاسة اليمنية وإيران الذي جاء إلى صنعاء بعد يومين. في إشارة إلى السيطرة الإيرانية على الحوثيين. ورغم توقيع اتفاقية السلم والشراكة بعد اقتحام الحوثي صنعاء عسكريا رفض التوقيع على الملحق الأمني للاتفاقية إلا بعد الإفراج عن سجينين إيرانيين من مقر الأمن القومي في صنعاء كانا معتقلين فيه على ذمة قضايا تهريب أسلحة.
 
ورغم إنكار إيران بشكل مستمر تقديمها أسلحة للحوثيين واقتصارها على الدعم المعنوي فإن لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن بشأن اليمن أكدت على أن صواريخ أطلقها الحوثيون من اليمن باتجاه السعودية هي إيرانية الصنع، بالإضافة إلى دعمها الحوثي بطائرات مسيرة من طراز قاصف1 وطالبت بمعاقبة طهران على ذلك.
 
مؤخرا قال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فوتيل إن الدعم الإيراني للحوثي مكنها من اليمن مضيفا أن دعمها المستمر منذ خمس سنوات في اليمن جعلها تحقق في اليمن ما استغرق عقدين من الدعم في لبنان. وهو إشارة إلى أن الدعم الإيراني للحوثيين منخفض جدا مقارنة بدعمها لنظام بشار الأسد السوري وحزب الله في لبنان لكن عوائده استراتيجية على إيران.
 
ما هو المقابل لإيران فيما لو تنازلت للسعودية في اليمن؟
 
إضافة إلى ذلك فإن الصراع الإيراني السعودي المشتعل في أكثر من جبهة في الشرق الأوسط ومنها اليمن والتي تمثل نقطة ضعف محورية للسعودية تجعل من الإيرانيين أكثر تمسكا بوكيلها الحوثي بشكل يجعل من الصعب قبولها الانسحاب من اليمن لصالح السعودية خاصة أن جبهة اليمن عبء كبير على السعودية مقابل عبء قليل على إيران مقارنة بالدور الإيراني في سوريا ولبنان لكن ربح إيران هنا مهم جدا لها، خصوصا في جانب إرهاق السعودية واستنزافها عسكريا وماليا وعلى صعيد حقوق الإنسان.
 
أكثر من ذلك ما هو شكل التنازل الذي يمكن للسعودية تقديمه لإيران مقابل تنازل الأخيرة في اليمن لصالح السعودية وفق الرؤية الأمريكية، فإيران مسيطرة أو متقدمة بشكل حاسم في صراعها مع السعودية في العراق ولبنان وسوريا (بالرغم من ازدحام الصراعات الدولية والإقليمية في هذه الدول مقارنة باليمن)، وبالتالي ليس هناك ما يمكن للسعودية أن تقدمه بالنسبة لإيران.
 
ليس بمقدور الحوثي تحقيق السيطرة وفرض الأمن مقابل علاقته بالسعودية
 الحوثي لا يعتمد في حكمه على المناطق الخاضعة لسيطرته على إعطاء أي مقابل لمحكوميه استنادا إلى ايدلويجيته الدينية –كمنظمة عائلية-، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل خاص في المناطق التي سيطر عليها في صعدة، قبل 2014م، بمعنى أنه متحلل من كل الالتزامات الضرورية تجاه المحكومين الخاضعين لسيطرته حتى في مجال الرعاية الصحية والتعليم، ويعتمد في تنمية قدراته الاقتصادية والمالية على تجارة السوق السوداء وتهريب الأسلحة والمخدرات والجبايات، وهي أحد أهم مصادر ثرواته المالية وفق لجنة الخبراء.
 
بالوقت نفسه فإن قدرة الحوثي على تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن أمرا بعيد المنال بدون تحقيق الحد الأدنى من الخدمات والاستقرار التي تحتاج عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما تحتاجه السعودية بشكل جوهري وأساسي في اليمن -دون التزامات مالية كبيرة- من أي علاقة قد تنشأ مع الحوثي مستقبلا، علما أن الحوثي لايقبل مطلقا الحكم بالشراكة مع أحد وقتل مؤخرا حليفه صالح بعد أن جرده من كل قوته.
 
أخيرا ليس لدى سلطنة عمان أي فائدة من تحالف الحوثي مع السعودية على حساب إيران بل العكس هو الصحيح حيث لدى مسقط قلق شديد من التحركات السعودية والإماراتية على حدودها الشرقية في المهرة وفي جنوب اليمن بشكل عام، وهي ليست على وفاق تام مع التحالف العربي والسعودية في كثير من القضايا وهي ليست عضوا في التحالف، ومصالح حكومتها الاستراتيجية مرتبطة بإيران أكثر من ارتباطها بالسعودية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر