انهيار جنوب اليمن أسرع..


سلمان المقرمي

ابتداء لابد من القول إن مسمى الجنوب العربي لن يحل محل جنوب اليمن أو اليمن الجنوبي، بأي حال، فالمسألة لا تتعلق بمسألة المسمى فقط، بل بهوية ضاربة في جذور التاريخ وبنيتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وأن مشروعا بهذه الهشاشة لن يكون سوى مقدمة لتفكيك خطير.
 
مؤخرا صدر تقرير عن لجنة الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة باليمن، ذكرت فيه أن دولة الجمهورية اليمنية التي نشأت عام 1990م قد تكون انتهت وصارت من التاريخ. وفي ثنايا التقرير يتحدث عن الدويلات الجديدة التي نشأت وأنها تفتقد كليا إلى القدرة على السيطرة على التجمعات والقوى الأخرى.
 
يتحدث التقرير الدولي عن سيطرة مطلقة للحوثي في الشمال، بجانب سيطرة القوات الحكومية على مأرب والجوف وتعز بشكل جزئي، لكن الصراع في هذه المنطقة لا يقبل الحلول التفكيكية، بمعنى من المستحيل تصور أي حل يقوم على مبدأ التقسيم في هذه المنطقة، وبدا أيضا أن مخرجات الحوار التي تدعو للتقسيم تواجه رفضا مجتمعيا يساوي التأييد، لكن بالحالين، ديناميت الصراع في المنطقة السكانية الكثيفة الخالية من الموارد ترفض التقسيم لعوامل جغرافية وسكانية واقتصادية.
 
جنوبا لم يكن هناك تاريخيا دولة جنوبية، وإنما دولة يمنية في جنوب اليمن قائمة على أساس الانتماء للهوية اليمنية ومن هذا المنطلق سيطرت الجبهة القومية بالقوة العسكرية على كل السلطنات والمحميات الاستعمارية، وكانت تحاول أيضا استعادة ظفار والسيطرة على الشمال بالقوة العسكرية أيضا.
 
ورغم الانتماء الجامع لليمن أثناء دولة جمهورية اليمن الديمقراطي كمحاولة لتجاوز الهويات الصغيرة التي تحضر بغياب الهوية الكبرى، اندلعت دورات عنف متتالية طوال 23سنة وهي عمر جمهورية اليمن الديمقراطية، على أسس مناطقية شديدة التطرف والنزعة، وتأتي أحداث يناير 1986م كأبشع مثال للعنف المستشري جنوبا.
 
ملامح الانهيار والتفكك جنوبا آخذة في الازدياد يوما بعد آخر، ومثلت أحداث يناير 2018م بداية طريق الانهيار غير المنضبط، بحسب مجلة الايكونوميست البريطانية فإن السير نحو تفكيك الجنوب حتمي، وإشاراته تبدو من محاولة المجلس الانتقالي السيطرة على الجنوب منفردا، وأن كثيرا من قيادات الجنوب يرفضون قيادة عيدروس الزبيدي، فضلا عن الصراع المناطقي الشديد بين أبين والضالع، ومن ناحية أخرى هناك حضرموت التي تريد هي الأخرى انفصالا عن عدن، إذا انفصلت عدن عن الشمال، وتريد المهرة الانفصال عن حضرموت.
 
عامل آخر يسرع من انهيار جنوب اليمن في حال استمر بسعيه نحو الانفصال عن اليمن، هو تشكيل عدة قوى عسكرية غير مترابطة وغير موحدة ومناطقية كالحزام الأمني اليافعي وألوية عيدروس والنخبة الشبوانية والحضرمية وسيرفض أمراء هذه التشكيلات العسكرية خاصة من شبوة وحضرموت الخضوع لقيادة من الضالع ويافع.
 
كما إن الخطر الأكبر الذي يحذر منه دائما القيادات التاريخية الجنوبية ومنها الساعية للانفصال يتمثل في العودة إلى إحياء السلطنات والمشيخات وهي بنى اجتماعية متجذرة ومتفككة بنفس الوقت في مختلف المحافظات الثمان، ولديها صراعات تاريخية مع بعضها، وهي تشكل جزءا رئيسيا من المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو بنفس الوقت يشير إلى إشكالية خلو المجلس من القيادات التاريخية للحراك الجنوبي أو لجمهورية اليمن الديمقراطي باستثناءات قليلة ويسيطر عليه السلفيون والمؤتمر الشعبي بشكل عام، وهو أمر جعل مؤسس الحراك الجنوبي حسن باعوم يرفضه رفضا قاطعا.
 
هناك عامل آخر هو الصراع الدولي والإقليمي في الجنوب اليمني بين مصالح متعارضة، فبينما تقوم الإمارات وهي دولة صغيرة الحجم والسكان والقوة العسكرية والحضارية، تقود مغامرة إنشاء قوى مسلحة موازية لقوى الدولة الرسمية، لتفرض انفصالا تحت أرض الواقع، فإن السعودية الدولة الكبرى المجاورة لليمن تطرد المغتربين اليمنيين من أراضيها تحت لافتة سعودة المهن، والآن تقوم بأي حال بإغلاق الطريق أمامهم جنوبا.
 
أما القوى الكبرى الدولية فإنها لا تقوم بإجراءات مباشرة خوفا من التكلفة المالية والبشرية والعسكرية في اليمن وإنما تلجأ للشركات الدولية دون إحداث أي تغيير في الخارطة السياسية.
 
أخيرا وعلى مدى عشر سنوات كان الحراك الجنوبي سلميا وكان من الصعب منافسته أما وقد تحول إلى عمل مسلح عبر المجلس الانتقالي فإن معارضيه بدأوا يرفعون أصواتهم، خاصة وأن المجلس فقد بريق عدالة القضية الجنوبية وأخلاق النضال حين يقوم بعمليات اقتحام مسلح لقوى جنوبية أخرى كالذي حدث في عدن يناير 2018م وشبوة حين اقتحمت قوات النخبة مقار عسكرية ومؤسسات أخرى، وهو ما يعني انزلاق المحافظات الجنوبية إلى بداية الصراع المسلح المناطقي فيما بينها.
 
وأهم من كل العوامل المذكورة سابقا يبقى العلاقة مع الشمال هو العامل الحاسم الذي لن يكون من السهولة أبدا تخليه عن مصالحه المشروعة التي تكونت على مدى عقود بكل بساطة وعمر هذه العلاقة أكبر من عمر دولة اليمن الديمقراطي نفسها الذي يستند إليه الانفصاليون، كما لا يمكن للجنوب فرض حصار من جهة الجنوب بعد فرض السعودية حصارا مشددا من جهة الشمال، من هذه النقطة يدعو غالبية قيادات اليمن الديمقراطية إلى تحويل الوحدة إلى اتحاد وليس إلى انفصال ومن هذا الخط أيضا يبدو الرئيس هادي.
 
 
*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر