استراتيجية الإمارات في اليمن


منذر فؤاد

 
ما يحدث في عدن حاليا من انقلاب على الشرعية بدعم إماراتي، لايمكن فصله عن مسار الأحداث منذ انطلاق عاصفة الحزم، والاستراتيجية التي اتبعتها الإمارات منذ ذلك الوقت، ما يحدث كان نتاجا طبيعيا لمعركة بدأت منذ عامين ونصف تقريبا بين شرعية ضعيفة ومنهكة، ودولة تتمتع بنفوذ كبير يقف خلفها تحالف من عدة دول، الأمر الذي سهل لها ممارسة الوصاية على الأرض اليمنية جنوبا، مع وجود بيئة حاضنة لهذه الوصاية.
 
مع انطلاق عاصفة الحزم التي قادها التحالف العربي، ضد الانقلابيين، في مارس/آذار 2015، علّق اليمنيون آمالاً عريضة، على هذا التحرك، وتوقع الكثيرون انتهاء الانقلاب وعودة الشرعية خلال وقت قصير، وهو أمر ممكن وقابل للتحقيق، لكن الإمارات كان لها استراتيجية معينة، تهدف لإطالة الحرب، واستمرار الصراع، مع ضمان تحكمها بالمشهد برمته، بالتنسيق مع السعودية.
 
في أغسطس/آب 2015، نجحت قوات الجيش الوطني بدعم من التحالف العربي في السيطرة على محافظة لحج، بعد أيام من سيطرتها على مدينة عدن، ومع توسع الرقعة الجغرافية المحررة من سيطرة الانقلاب، كان لابد من فرض الأمن وإعادة الاستقرار لتطبيع الحياة، ومن هذا المنطلق شكّلت الإمارات قوات الحزام الأمني بدعوى حفظ الأمن في هذه المناطق، لكن الحقيقة أن الإمارات استخدمت هذه القوات لتحقيق مآربها وأهدافها الخاصة في عدن وبقية المناطق، بينما استمرت الاختلالات الأمنية، وحوادث القتل والاغتيال بكل أريحية في عدن وغيرها من المناطق المحررة.

 
توسعت أبو ظبي خلال الفترة الماضية في نفوذها العسكري، وشكّلت قوات رديفة للجيش الوطني في كل من حضرموت وشبوة وسقطرى، ولاتزال تسعى لتشكيل قوات رديفة أيضا في مناطق أخرى، وإن كانت قد فشلت فيها كتعز ومأرب، أبوظبي نجحت أيضا في إخضاع المعركة مع الانقلابيين لتوازن دائم في موازين القوى، خاصة في مناطق حساسة ومهمة كمدينة تعز التي حرص التحالف العربي بشكل عام والإمارات بشكل خاص، على إبقائها ساحة استنزاف مفتوحة للحوثيين، وتجنب دعمها بالعتاد العسكري اللازم لاستكمال تحريرها، والاكتفاء بتقديم دعم عسكري محدود يكفي لاستمرار الحرب لا حسم المعركة، في إطار استراتيجية إماراتية تسعى لاستنزاف الجيش الوطني الذي لا يدين بالولاء لسلطتها.
 
للإمارات حساباتها الخاصة بها بمعزل عن أهداف تحالف دعم الشرعية، فهي تقف في مواجهة الحوثيين وبنفس الوقت تقف في مواجهة الشرعية اليمنية بدعوى خضوعها لسيطرة حزب الإصلاح، وبالتالي فإن الحل من وجهة نظر إماراتية تكون بتسليم مقاليد الأمور لحزب الراحل صالح، على اعتبار أن الحزب متماشيا مع توجهات الإمارات في عدة قضايا أبرزها الموقف من الثورات والجماعات الإسلامية.
 
وعندما أصدر هادي قرارات بإقالة قيادات سياسية موالية للإمارات في عدن، لجأ الإماراتيون إلى إنشاء كيان سياسي لعرقلة عمل السلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، يترأسه قيادات في الحزام الأمني الموالي لها، هذا الكيان السياسي الموسوم بالمجلس الانتقالي ما كان له أن يرى النور لولا أن الإمارات هيأت له أرضية مناسبة للتأسيس، منها تشكيل قوات عسكرية صريحة الولاء للمشروع الانفصالي المناهض للشرعية، وخالصة الولاء لسلطات أبو ظبي التي تكفلت بتأمين احتياجاتها المادية والعسكرية، واستخدمتها كورقة ارتزاق في مواجهة الشرعية.
 
باعتقادي إن الإمارات لا تهتم كثيرا بمسألة انفصال الجنوب أو بقاءه ضمن الدولة الاتحادية، بقدر ما تهتم بإبقائه خارج إطار مشروع الدولة، مع حالة صراع واستنزاف تتيح لها التحكم بالمشهد السياسي والعسكري، وبسط نفوذها في المناطق الحيوية، والعبث بالثروات النفطية والغازية، وهو ما يحدث الآن ويتسع أكثر مع مرور الوقت واشتداد الصراع بين الشرعية ومناوئيها سواء كانوا في صنعاء أو عدن.
 
الاستراتيجية الإماراتية في اليمن تتنافى كليا مع أهداف عاصفة الحزم، وتدخل الإمارات ضمن التحالف العربي لم يكن مرتبط بمسألة تحرير الأرض واستعادة الدولة، وإنما كان أقرب إلى مشروع الوصاية والاستعمار، وهذا يعزز من توجه البعض لإعادة صياغة تحالفات داخلية في المرحلة القادمة تضع في أولوياتها مواجهة الإمارات كدولة احتلال، بدلا من إنهاء الانقلاب الحوثي.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر