بعد أربعين يوما من مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، في المواجهات المسلحة، التي جمعت بينه وبين حلفائه الحوثيين، بالعاصمة صنعاء، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2017، يمكن القول إن دولة الإمارات، المستفيد الأول من تداعيات تلك المواجهات، كمعطى جديد للحرب الدائرة في اليمن، منذ تدخلها بجانب المملكة السعودية، في مار/ آذار 2015؛ حيث بادرت إلى استغلال نتائج ذلك، استغلالا سريعا، في اتجاه أهدافها من هذا التدخل، سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا.
 
فلأكثر من عامين ونصف، لم تستطع الإمارات فرض نفوذها في مناطق الشمال، الخاضعة لسلطة الرئيس عبد ربه هادي، رغم محاولاتها المبكرة والمتكررة لاستمالة بعض مراكز النفوذ القبلية، على نحو ما سلكته مع زعامات قبلية من محافظة مارب، وبعض التيارات السياسية، القومية واليسارية، في محافظة تعز، كالحزب الناصري، وحزب المؤتمر الشعبي، وكذا فصائل المقاومة الشعبية ذات التوجه السلفي، التي تتبنى، جميعها، مواقف مناوئة لبعض القوى التقليدية، القبلية والحزبية، كحزب التجمع اليمني للإصلاح، الكيان السياسي الأبرز في القوى الداعمة لشرعية الرئيس هادي، وإن كانت قد حققت جانبا من غايتها في هذه المحافظة، إلا أن ذلك لا يبدو واضحا كنفوذها في محافظات الجنوب، لا سيما بعد إحباط مساعيها لتشكيل قوات حزام أمني خاضعة لها، أواخر عام 2017.
 
ففي محافظات الجنوب، تحقق لها ذلك النفوذ، من خلال كيانات سياسية وعسكرية، كان لها الفضل في ولادتها، ودعمها، ماديا، ومعنويا، ولعل من أبرزها: المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات الحزام الأمني، وقوات النخبة، وهي، جميعا، وحدات خاضعة لإشرافها المباشر، بحكم كفالتها المادية، والتسليحية، والتدريبية، وليس لرئاسة هيئة أركان القوات المسلحة، ووزارة الداخلية، التابعتين لسلطة الرئيس هادي، أي نفوذ حقيقي على كل منها، بل بلغت الوصاية الإماراتية عليها، إلى الحد الذي قام فيه الطيران الحربي الإماراتي، بالتدخل لمصلحة هذه القوات، أثناء المواجهات المسلحة، التي نشبت بينها وبين قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي، بمدينة عدن، مطلع عام 2017.
 
أما في محافظات الشمال، فقد طال انتظار الإمارات لإيجاد واقع مماثل لوضعها في الجنوب، ويبدو أن أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017، أهدتها مكاسب وفرصا ثمينة وعديدة، وربما أنها ساهمت في إخراج هذه الأحداث، بشكل دراماتيكي، لبلوغها هذا الوضع. ويتجلى جوهر هذه المكاسب في وضع يديها على قوات عسكرية مدربة وجاهزة للقتال، ولا يعوزها سوى القليل من الجهد لإعادة تأهيلها، تدريبا وتسليحا. وتتمثل هذه القوات في القادة والجنود، الذين قاتلوا مع الرئيس السابق، وحالفهم الحظ في الإفلات من قبضة الحوثيين، وأولئك الذين لم يشاركوا في هذه المواجهات، أو في القتال مع أي طرف منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015، لكنهم ينتمون لقوات الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والوحدات العسكرية الأخرى في الجيش السابق.
 
على نحو أولي، يمثل العميد طارق محمد عبد الله صالح، المكسب الأكثر ثمنا، بوصفه أحد أفراد عائلة صالح، الذين لم تطلهم عقوبات مجلس الأمن، ومن ذلك القرار 2216، رغم أن الرجل لا يتمتع بخبرة عسكرية كبيرة في مجال القتال، وقيادة القوات؛ بحيث يوضع في مصاف قادة كبار، أمثال اللواء هيثم قاسم، الذي يشارك في المعارك الدائرة في جبهة الساحل الغربي، أو القادة الذين يخوضون، منذ عامين، مواجهات عنيفة ضد الحوثيين، في كل من: صرواح، والجوف، والبقع، ونهم، والبيضاء، لكنه قد يجد نفسه، مدفوعا إلى المغامرة، وخوض تجربة المواجهة، للثأر ممن قتلوا عمه، الرئيس السابق، علي صالح، وشردوا أسرته، ونكلوا بكل من لهم صلة به.
 
مع أن صيت الرجل بلغ الآفاق، خلال الأحداث الأخيرة، إلا أنه، كما سبق القول، متواضع القدرات؛ فقد انحصر ذلك في مجال حماية عمه الرئيس السابق، علي صالح، وما ألمّ به من فنون القتال، خلال مشاركته في الحرب الراهنة، طيلة العامين الماضين، لكن كاريزما القيادة تظل محدودة، ولا أدل على ذلك، اختراقه من قبل الحوثيين في الفترة، التي أدار فيها معسكر الملصي، الواقع في إحدى ضواحي العاصمة صنعاء، وما ترتب على ذلك من انتصار للحوثيين في أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017، إلا أنه رغم ذلك كله، يمكن أن يشكل بؤرة جذب للكثير من القادة الشباب في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، والبناء على ذلك للوصول إلى قوة يمكن أن يكون لها حضور فاعل في هذه الحرب، بقطع النظر عن موقف هذه القوة من سلطة الرئيس هادي، وتأثيرها عليها، سلبا أو إيجابا. 
 
ما يتوقع من نشاط للقوات المشكلة، التي لن تسند قيادتها لطارق صالح وحده، بل ولقادة آخرين، أنها قد تكون نسخة مماثلة لقوات النخبة، وقوات الحزام الأمني في محافظات الجنوب، مع بعض الفوارق بين الحالتين، التي ستكشف عنها طبيعة نشاطها ومواقفها خلال المرحلة القادمة من الحرب. أما عملياتيا، فقد يسند إليها مهام قتالية فيما لا يقل عن جبهتين، تكون إحداهما في الساحل الغربي باتجاه مدينة الحديدة، أما الثانية فقد تكون في محافظة البيضاء، بحيث يلتحم فيها المقاتلون المنتمون لحزب المؤتمر الشعبي من هذه المحافظة مع آخرين من محافظة شبوة، التي يكثر فيها مناصرو الرئيس السابق، علي صالح، والتي فقدت، في ذات الوقت، أحد أبرز رجالها، وهو الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، عارف الزوكا، وذلك في أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017.
 
هكذا تكون الإمارات قد أقدامها على البساط المخملي، الذي قد يمنحها النفوذ في محافظات الشمال، من خلال تحجيم بعض القوى المناوئة لها، التي يمكن توصيف وضعها الراهن، بأنها قوى متماسكة تماسكا عضويا، ويجمعها إطار واحد، هو ثورة 11 فبراير/ شباط 2011، وتتشكل هذه القوى من قوى حزبية، وعسكرية، وقبلية، وطلابية ثائرة. فضلا عن سعي الإمارات إلى تحجيم نفوذ الرئيس هادي، الذي يعتمد اعتمادا رئيسا على القوى السابقة.
 
مكسب آخر، ولعله عين المكاسب بالنسبة للقيادة الإماراتية، ألا وهو الحصول على غطاء شرعي تسيطر من خلاله على ميناء الحديدة، إن لم يكن الهدف السيطرة على كافة موانئ الساحل الغربي، ابتداء من ميناء المخاء، وحتى رأس عيسى، مرورا بالحديدة والصليف، في حال أسفرت المعارك هناك، عن هزيمة الحوثيين، وإسناد حماية هذه المناطق إلى القوات، التي يجري إعدادها بنظر العميد طارق محمد صالح.

* باحث يمني في الشئون الاستراتيجية 
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2018 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر