العابرون إلى التاريخ والزائلون


همدان الحقب


بذلت القوى السياسية اليمنية طاقات جبارة حتى خلقت مسارا واضحا للتغيير بدأ باللقاء المشترك وانتهى بثورة شعبية عظمية على نظام كان قد وصل مرحلة من التردي لم يعد يجيد معها سوى إدارة الدولة بالفساد وأزمات ما أن تنفك اليمن خارجة من أحدها حتى يزجها بتاليتها بل أنه كان في حال غياب الأزمة المرجوة لإطالة عمره الآخذ في التآكل يعمل على خلق ظروف تواتي بروزها .
 
لغم صالح اليمن مستخدما كل إمكانات الدولة رغبة في القضاء على المعارضة الوطنية وثورة فبراير  فكان قدر الثورة أن تواجه كل هذه  الألغام التي زرعها الراحل بيده وكان ضحية أحدها حين عانقه وهو في لحظة انفجار . لم يقدر صالح ثورة فبراير وأحقية الشعب في التغيير لأنه كان قد أدمن الاستئثار بالسلطة والثروة وترسخت بداخلة نزعة احتقار الشعب وتمريغه في العزلة والحرمان .
 
مر  شعبنا بثورة تشد عضدها السياسية وتفتح أمامها آفاقا تحقق أهدافها شيئا فشيئا , دخل اليمنيون بحكومة وفاق وطني وفكر السياسيون بحوار شاركت فيه كل قوى المجتمع الحية بما فيها تلك التي تتحرك خارج الأفق الوطني ،  توج هذا الحوار  بنجاح مذهل شد وبإعجاب أنظار المراقبين في داخل اليمن وخارجه وبدا اليمن وكأنه  يضع اللمسات الأخيرة قبل أن ينتقل من الشرعية التوافقية إلى الشرعية الدستورية والتي بدورها ستضع الفاصل بين عهدي ما قبل الثورة وبعدها.
 
فجأة عاد بنا تحالف الانقلاب وبدعم قادم من خارج حدود اليمن إلى مرحلة الحرب وما يترب عليها من نتائج كارثية على مختلف الصعد ، لم تجر الرياح حد الآن كما اشتهى مشروع التغيير ممثلا بأحزاب المشترك ومن التحق بالثورة أفرادا وجماعات باستثناء من شذ منها ومنهم وارتمى في حضن الانقلاب وكل هذا بفعل من لا يريدون لليمن أن يتغير وللثورة أن تحلق عاليا ، ومثلها أيضا كانت الرياح أشد قوة باتجاه نقيض لأشرعة تحالف الحرب والتي أماتت أحد رؤوس تحالفه  بنيران صديقة وما زالت عاصفة قاصفة لتطيح بالرأس ذات الطابع الكهنوتي السلالي العنصري ،  بمعنى آخر ... صحيح أن العدائية والمؤامرة المركبة  اعترضت مسار الثورة السلمية وعصفت بأدواتها وذلك بدفعها لخيار الحرب  لكنها  لم تطح بها وإنما رفعت كلفة انجازها بمزيد من الدماء والدمار ، شن الانقلاب الحرب على الثورة بأدوات الدولة ولم تكن الثورة حينها تريد الحرب بل لم تكن البتة ضمن أبجدياتها ، حاولت الثورة أن تتجنبها وفي سبيل ذلك استنزفت كلما بجعبتها من خيارات قد تدفع تحالف الانقلاب للعدول عن قراره الإجرامي بحق اليمن دولة وشعبا وحين أحدق بها الخطر الوجودي جراء العنف العسكري الذي مورس بحق القابضين عليها.
 
 دخلت الحرب مرتبكة  محزونة لأن مشاعر وقيم التغيير السلمي والبناء هي ما كان يحكمها ويخلق أهدافها وأحلامها ومع أنها بدأت من نقطة صفر إمكانات عسكرية إلا أن عودها أشتد سريعا وصلب متنها وكل ذلك عائد إلى عمقها الشعبي الذي وفر طاقات هائلة صعب على الأعداء استنزافها وتشويه مشروعيتها في أعين العالم.
 
ناضل الشعب بالبندقية والكلمة ولا يزال يقاوم ويحقق المكاسب الوطنية مكسبا بعد آخر  وكل المؤشرات تتراكم باتجاه انتصار الثورة على أعدائها بالبندقية بعد أن فوتوا عليها الانتصار بالسلمية وأدواتها ، التاريخ حكم على النظام السابق بالفناء وكتب للثورة الحياة وكلما جرى ويجري هو في سياق هذه الحقيقة.
 
 ما أكثر التجارب التي اعتقد فيها الحكام الحمقى أن الثورات تموت وتستأصل فصوبوا نحوها رصاصاتهم فلم تكن النتيجة في أحسن الأحوال سوى أفول جذوتها إلى حين لم تلبث معه أن عادت أشد اشتعالا وضراوة تطيح بالمستبدين وتكتب المجد للشعوب  ، يمكن كتابة الكثير عن جولات المنازلة الحاسمة  بين الثورة والثورة المضادة لكننا نختصر النقال بالقول : أن المقاومة امتداد طبيعي للثورة السلمية أو بمعنى أدق طور من أطوارها فالثورة خلقت لتنتصر وتخلد لا لتموت وأيّاً أبدعت الثورة المضادة في تخليق وسائل تقمع فيها الثورة الشعبية فستبدع الأخرى وسائلا أكثر ذكاء وحنكة لمقاومتها والانتصار عليها وفي النهاية سينتصر الجديد على القديم والتاريخ لا يقبل في مسار تطوره إلا الشعوب وإرادتها لا المعترضين طريقها .
ستخلق هذه الحرب ذاكرة في الوعي اليمني لا تقبل المسح وستكتب للأجيال وصية مقدسة عنوانها ألا تهاون مع المشاريع الصغيرة التي طالما حطمت اليمن عبر تاريخ طويل من سعيها المجرم لاختطافه وخلع هويته أو حرفه عن مسار تطوره ، هذه الحرب أيضا المستبيحة لدماء الشعب وكرامته من قبل جماعة مطاريد وفاسدين لا ينفع معها سوى الاصطفاف المشبع بروح الوطن وهويته الجامعة ليقضى قضاء مبرما على فقاسة الجهل والجوع والمرض والظلام والتضحية شرف عظيم في سبيل المجد والثورة وأهدافها بصفتها مطلب وطني وتاريخي لا يستقيم ولا يتأتى إلا بالجسارة والتضحية العظيمة.
 
 وهذا قدرنا ما دمنا أجبرنا على انجاز ثورتنا بالبندقية  , وفي منعطفات كهذه تكون الشعوب بحاجة لنخبة  توحد قلوبها وجهودها للخلاص من توحش قاهريها , إن القيادة التاريخية التي عبرت بشعوبها إلى ضفة الحرية والعدالة والحياة الكريمة هي تلك التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بقضايا شعوبها وهز ضميرها ماهي فيه من عناء وقهر وشظف فلم تتقاعس أو تركن بل شدت السواعد بعضها لتنتزع حقوقهما من غاصبيها  , مما يليق بنخبة تمسك بيد شعب وتقوده إلى المجد هو أن تسمو ممارساتها  لتكون بحجم الثورة نبلا ومقصدا وألا تغرق في وحل  ترصد أخطاء وهفوات بعضها ونيل كل فصيل من الآخر داخل منظومة من يحلمون بالتغيير.
 
هذا ليس طرحا عاطفيا وما الذي انتجه الطرح السياسي الخالي من هذه العطافة وهذا السمو سوى التشرذم والهزيمة ؟؟ يجب أن نتصرف كنخب ثورية وثق الشعب بها وسلمها زمام قيادته ، كثوار يحملون مهمة انقاذ شعب طال انتظاره ثمره كفاحه ونضاله  , الشعوب تناضل ولا تَخْذِلُ وياما خذلت النخب الشعوب إن هي تاهت في لحظة فارقة وحاسمة في مسالك الفرقة والتربص  .

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر