‏دولة "التوزة "..


نور ناجي

 ‏كنت أعتقد حتى وقت قريب، أن نظرية "الإنسان أصله جنبية، أو توزة" قد انتهى!

يبدو أنني مُخطئة، جميعنا مخطئون، فقط وحدهم قادة الجيش الوطني والمسؤولين عن تعييناته اليوم، هم المتمسكين بحبل الصواب بعد أن تبدت لنا مناصب أمتاز بها آل التوزة دون غيرهم...!

‏بالطبع جميعنا يعرف الجنبية، واسمها الأكثر دلال (التوزة) حين تميل قليلا على الخصر وتأخذ وضع أكثر غُنجاً؛ سلاح المحارب اليمني القديم ورمز قبيلته التي خاض بها معارك كثيرة قبل أن يستبدلها بالسلاح الناري، لتبقى الجنبية بعدها زي تقليدي ومصدر عاطفي لقوة صاحبها ومقدار هيبته ومكانته بين القبائل..

‏قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، بأهداف نبيلة لا زالت تثير الحنين والشجن إليها، رغم ابتعادنا عن تلك الأهداف بسبب انحراف الثورة عن مسارها أو توقفها الخفي، ولم تُبرئ الجنبية من ذلك الانحراف حين اشهرها بعض رجالات القبائل مُساندةً للثورة أو متصدين لها، حتى رسخت مع الوقت مبدأ تحدي كيان الدولة..

‏الدولة التي حاولت الالتفات حول تلك المشكلة بإرضاء القبيلة وتخصيص وزارة تعني بشؤونها في بداية الأمر، ومصلحة يديرها رئيس الدولة السابق، لاحقاً حسب ما يراه، حتى عاودت (التوزة) حالة التضخم بعد تراجع بسيط، لتظل هي المقياس الحقيقي لمدى قوة صاحبها ونفوذه في المجتمع..

‏قامت ثورة ?? فبراير بما لها وما عليها، غير أنها قامت بالأساس ضد رموز الفساد في البلد، وكانت الجنبية من ضمن المتهمين بذلك الفساد، بنفوذها في كيان الدولة والمستحقات المالية المخصصة لها على حساب التعليم والصحة، وبهيمنة العرف الذي فرضته على مدى السنوات الطويلة وأصبحت داء عضال متفشي في المجتمع.

‏تطورت الأحداث سراعاً بعد ثورة ?? فبراير حتى قيام حرب طاحنة بين طرفين: طرف حمل فيه سلاح التوزة وفرضه بالقوة على اليمنيين؛ وطرف آخر يحاول إعادة النظام والقانون والالتزام به، بغض النظر إن كان صاحبها يلبس جنبية من عدم لبسه لها..

‏للأسف يُلبس ذلك السلاح التقليدي محيطاً للخصر، غير أن الكثير يعاني من فقدان لذاكرة موضعه! فيحيط حزامه ليتخذ عقله مكان بديل لوسطه..!

‏ونتفاجأ في خضم الحرب بخبر عاجل يورد قيام قائد عسكري في الجيش الوطني يسعى لصرف مرتبات كشوفات وهمية لمحافظة لازالت تحت الاحتلال، باستخدام هنجمة التوزة بشكل فج يجعلنا نقف متسائلين: كيف يفكر ذلك القائد العسكري؟ ولماذا انضم مثله فعلا لصفوف الشرعية، وقد انتهى ذلك الشعار ومُرِغ أنفه بالتراب مؤخرا على أيدي من يقف ضدهم في واجهة المعركة؟..

‏سمعنا الكثير من التبريرات الهزيلة للتوظيفات التي تصدرها الحكومة دون أن نفهم أسبابها..! "مقتضيات الفترة الراهنة" هي الإجابة الأقرب والتي قد تصدر على استحياء وبشكل غير رسمي..!

‏سواء أُجيب عن تلك الأسئلة أم بقيت معلقة، أمر واحد هو ما يصر عليه المحارب المهاجم لأوكار الحوثي: لا رجوع لدولة التوزة، سواء انقضت مقتضيات ذلك الوقت أم لم تنقضي، فجميع من يقف في الجبهة أدار ظهره لها، إذ لا هدف له اللحظة غير استرداد الجمهورية ثم تصحيح مسارها، نقية من شوائب وفساد الأمس القريب، وعنصرية الآخر..

‏غير أنه لا يجوز غض الطرف عن مثل تلك القرارات والتعيينات وتركها لتمر مرور الكرام، فما تصرفات بعض رموز التوزة وتكرارها سوى استثمار رخيص واستغلال معنوي خطير من الطرف الآخر، ينسف عقيدة مقاتل يقف في الجبهة يتفاجأ بنصل جنبية استلت خلف ظهره بكل عنجهية وبلادة الماضي..

‏لا بد أن تعيد القيادة العسكرية للشرعية قراءة الوضع جيداً، لا أن تكون هي الأُخرى شريكاً في محاولة هزيمة مقاتليها بهكذا تعيينات. ولا تنسى بأن صفوفها لا تخلو من خريجي كليات عسكرية وأكاديمي صامت لبُرهة من الزمن، وليس من صالحها أو صالح سير المعركة كسر ذلك الصمت..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر