قبل نحو عشرة أيام من أحداث 2 ديسمبر/ كانون الأول 2017، التي أودت بحياة الرئيس السابق، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، علي عبدالله صالح، والأمين العام للحزب، عارف الزوكا؛ في المواجهات المسلحة، التي جمعت بين صالح وحلفائه الحوثيين، كان نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن الأحمر، قد وجه دعوة ونصيحة لقيادات حزب المؤتمر(جناح صالح)، بمن فيهم رئيس الحزب، علي صالح، قائلا فيها: "يكفي الغلطة الأولى"، في إشارة إلى دور الحزب في دعم الحوثيين للإطاحة بالرئيس هادي خلال عامي 2014 - 2015، والتحالف معهم في الحرب الدائرة، منذ مارس/ آذار 2015.
 
لم تكن الاستجابة الحقيقية لهذه الدعوة بفض التحالف والشراكة مع الحوثيين، التي أثبتت فشلها أحداث 2 ديسمبر/ كانون الأول، بل بالمبادرة إلى الاعتراف بشرعية الرئيس هادي، والالتحاق بمعسكره، والوقوف صفا واحدا في مواجهة الانقلاب ومحو آثاره، وذلك ما لم يكن ممكنا لأي مؤتمري في ظل الكثير من العوائق، سواء الحزبية، أو البرجماتية، أما الآن، وبعد أن تعرض الحزب لهجمة حوثية عنيفة أحدثت فجوة كبيرة في هرمه القيادي، فإنه لم يعد هنالك من عذر أمام من لم يطلهم البطش والتنكيل، وما لم يبادروا إلى ذلك، فإن الدور قادم إليهم لا محالة.

لقد ظل صالح، حتى لحظة اتخاذ قرار المواجهة المسلحة مع الحوثيين، ودعوة حزبه إلى ذلك، يتمسك بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس هادي، زاعما أن لا شرعية إلا لمجلس النواب، ورافضا تدخل التحالف العربي في اليمن، بوصفه عدوانا غاشما؛ وذلك ما يعني الإصرار على عدم الاعتراف بقرارات مجلس الأمن: رقم 2140 لعام 2014، والقرار رقم2216  لعام 2015، والقرار رقم 2342 لعام 2017، وغيرها من القرارات؛ وبذلك وضع صالح نفسه، وحزبه، أمام مجموعة كبيرة من الخصوم، فكان مقتله نتيجة طبيعية لهذا الموقف.
 
الملاحظ أن الحوثيين يبدون اهتماما كبيرا فيما يمكن أن يتخذه الحزب(خلفاء صالح) من قرارات، بشأن نشاطه السياسي، وموقفه من أحداث ديسمبر/ كانون الأول؛ لذلك يدفعون في الاتجاه، الذي يضعف موقفه، مستغلين حالة الارتباك والتشتت، التي تكتنف قيادته، ويتجلى ذلك من خلال الإمعان في تقويض مرتكزات قوة الحزب المادية، وإزاحة عناصره الهامة عن المراكز الحيوية في جهاز الدولة؛ حيث بادروا إلى جملة من الممارسات الإقصائية والقمعية، التي تهيء هذا المسعى؛ فعينوا ثلاثة وزراء في حكومة الإنقاذ(غير معترف بها دوليا)، بدلا عن وزراء الحزب، في كل من: وزارة الاتصالات، ووزارة والداخلية، وأمانة العاصمة، وشنوا حملة اعتقالات واسعة لأبرز القادة العسكريين، والسياسيين، والحزبيين، والشيوخ القبليين، المواليين له، وفرضوا الإقامة الجبرية على آخرين منهم.
 
في إطار السعي التدريجي لتحويل حزب المؤتمر إلى "حزب ظل" لجماعتهم، تنشط الكثير من الخلايا الحوثية في هيئات وقطاعات مختلفة من الحزب، كالإعلام، والشباب، والمرأة، من خلال عناصر مؤثرة تشكل "جماعات ضغط"؛ حيث يجمعها مع الحوثيين الانتماء الهاشمي المتعصب للفكرة السلالية، ومن ذلك، مثلا لا حصرا، عضو اللجنة العامة في الحزب، عضو مجلس النواب، أحمد الكحلاني، ورئيس الدائرة الإعلامية، طارق الشامي، فضلا عن عناصر من تيار "الشباب المؤمن"، الذين مثلوا النواة الأولى لجماعة "أنصار الله" الحوثيين؛ فقد كشفت مصادر في الحزب، أن ثمة تناميا مطردا لجماعات الضغط الهاشمية والحوثية داخله، وكانت بداية ذلك مع بداية العشرية الأولى من هذا القرن؛ حيث قام الأمين العام المساعد للحزب، يحيى المتوكل، المتوفى عام 2003، بضم أربعة آلاف شخص منهم، خلال يوم واحد.
 
وليس بخافٍ الاختراق، الذي مثله يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق زعيم الجماعة الحوثية، من خلال عضويته في حزب المؤتمر، وتمثيله له في مجلس النواب(البرلمان)، وقد أدى الكشف عن ذلك إلى تجميد عضويته في المجلس عام 2010.
 
الآن، وبعد أن قتل الحوثيون رئيس حزب المؤتمر، وأمينه العام، واعتقلوا عددا من قياداته، وتعرضوا لأصوله وموارده بالنهب والمصادرة، هل آن الأوان لهذا الحزب أن يخطو خطوات وطنية جادة للتعامل مع التحديات العنيفة، التي تحدق به، واختطاط مسار جديد وواضح يقدر خطورة المرحلة، التي يستهدف فيها النظام الجمهوري، والوحدة الوطنية؟
 
يتجاذب الحزب طرفان رئيسان، أولها: القيادة الباقية في مناطق سلطة الأمر الواقع(سلطة الحوثيين)، وهي ما يحاول الحوثيون دفعها، تحت ضغوط مختلفة، إلى الاصطفاف معهم، في إطار مواجهة ما يسمونه "العدوان"، والتبرؤ ممن يسمونهم "رموز الخيانة والفتنة"، الذين تسببوا في أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017. وبطبيعة الحال، فإن على رأس هؤلاء، رئيس الحزب، وأمينه العام، وليس من معنى للتبرؤ، هنا، سوى الإدانة!
 
من أبرز رموز هذه القيادة بصنعاء، نائب رئيس الحزب، صادق أمين أبو راس، الذي لم يكن موقفه مختلفا عن موقف صالح، حول شرعية الرئيس هادي، وتدخل دول التحالف في اليمن، علاوة على موقفه الرافض لاستئثار الحوثيين بالقرار، وكل ذلك، كما يبدو، موقف غالبية قياديي الحزب، وقد عبر عن كل ذلك في خطابه، الذي ألقاه على جمع من أعضاء الحزب، في 20 أغسطس/ آب 2017؛ حيث وصف مسئولي السلطة الشرعية بـ"العناصر الدنيئة"، وخاطب الحوثيين بقوله: "نحن شركاء لا حلفاء".
 
 كما لوحظ عليه تراجع حالته الصحية، التي لا تبدو مشجعة لتحمل أعباء مسئولية الحزب؛ فلا تزال الآثار الجسدية لحادثة تفجير مسجد الرئاسة، التي وقعت في يونيو/ حزيران 2011، باقية فيه؛ حيث فقد عينه اليسرى، وتأثرت أطرافه، فضلا عن الآثار النفسية، التي لا تزال مسيطرة على ما يمكن أن يبديه من مواقف تجاه السلطة الشرعية.
 
يمثل الطرف الثاني للحزب، قيادة السلطة الشرعية، التي يقع على رأسها رئيس الجمهورية، الذي شغل منصب نائب رئيس الحزب حتى إبريل/ نيسان 2016؛ حيث فصله الحزب مع عدد من الأعضاء المؤيدين له، على خلفية تدخل التحالف والحرب الدائرة في البلاد منذ مارس/آذار 2015.
مع ما يملكه هذا الطرف من استقلالية وقدرة على توحيد صفوف الحزب، إلا أنه لم يتحرك على الوجه المطلوب، باستثناء ما أثير حول لقاء القيادي المؤتمري سلطان البركاني، بالرئيس هادي، ونائبه الفريق علي محسن، ورئيس الحكومة، أحمد بن دغر، بقصد تقريب وجهات النظر مع التيار، الذي يمثله نجل الرئيس السابق، السفير أحمد علي صالح، وقد يزداد هذا الطرف قوة، بزيادة نزوح الكثير من المؤتمريين إلى مناطق السلطة الشرعية وتأييدهم لها، نتيجة لمقتل صالح، وإعلانهم انتهاج المقاومة المسلحة لمواجهة الحوثيين واسترداد الدولة. وقد أسقط ذلك ما يثار من جدل حول سعي السلطة الشرعية للاستفراد بالحزب، من خلال تمكين الرئيس ونائبه ورئيس الحكومة من قيادة الحزب. 
 
تبدو الفرص المتاحة أمام نجل صالح، محدودة نسبيا، لوقوعه تحت طائلة العقوبات، التي فرضها مجلس الأمن بالقرار 2216 لعام 2015، فضلا عن غموض موقفه الجديد من شرعية الرئيس هادي، وتدخل التحالف في الحرب الدائرة، لا سيما بعد ما تعرض والده للتصفية من قبل الحوثيين، إلا أن مسألة العقوبات، التي يخضع لها، قد تكون عدما في حال جرى تسويتها سياسيا، وهو في هذا لا يختلف عن وضع أبرز قادة جماعة الحوثيين المشمولين بهذا القرار، الذين يجري التفاوض مع جماعتهم، فيما يمضون في تعزيز قبضتهم الحديدية على البلاد.
 
قد يحمل العام القادم تحولا في المواقف تجاه نجل صالح، إذا ما فرضت تسوية سياسية لإنهاء الحرب، أو أفضت الحرب إلى تسوية قسرية، بعد استراد السلطة الشرعية للعاصمة، ومحو آثار الانقلاب، لكن ذلك لن يكون خلاصا للحزب مما يعانيه؛ إذ لا بد من إعادة صياغته على أسس وطنية، تتجاوز نمط القيادة التاريخية، ومن يجب أن يرِثُها، وإفراغه من كل الولاءات العصبوية والطائفية والمذهبية.

باحث يمني في الشؤون الاستراتيجية

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر