رحيل صالح والتحالفات الجديدة


محمد جميح

اليمن كغيره من بلدان المنطقة بلد التحالفات والتحالفات المضادة. كان الرئيس الراحل علي عبدالله صالح حليفاً قوياً للإسلاميين ممثلين في التجمع اليمني للإصلاح قبل الوحدة، وفِي تيار التجمع من الإسلاميين داخل منظومة المؤتمر الشعبي العام، واستمر التحالف لعقود طويلة بفعل وجود الشخصيتين المتناغمتين علي عبدالله صالح الذي كان في علاقته بالشيخ عبدالله الأحمر يمثل «رئيس الشيخ» والشيخ الأحمر الذي كان يمثل «شيخ الرئيس».

وكان هذا التحالف ناظماً لإيقاع الحياة السياسية اليمنية أغلب فترة الرئيس صالح، قبل أن يصل إلى نهايته مع انضمام الإصلاح إلى ثورة الشباب في اليمن بشكل واسع. وفِي خيام ساحة التغيير في صنعاء كان الحوثيون يتواجدون إلى جانب الإصلاحيين في الثورة ضد صالح. كان لكل غاياته وأهدافه التي جمعتهم ضد الرئيس الراحل.

وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض وخروج صالح من دار الرئاسة، بدأ ينسج خيوط علاقة جديدة مع خصوم الأمس من الحوثيين، ليسقي الإصلاح من الكأس ذاتها التي يرى أنهم سقوه منها. وجاء دخول الحوثيين صنعاء وضربهم لمراكز القوة لدى حزب الإصلاح من كيانات قبلية ومؤسسات اقتصادية وتشكيلات عسكرية محسوبة على الإصلاح، جاء ذلك ليمثل مصلحة للرئيس السابق تنجز على يد الحوثيين، الذين جمعتهم مع صالح الرغبة في الانتقام من الإصلاح سياسيا كما لدى صالح، ثم الانتقام بدوافع طائفية كما لدى الحوثيين.

ضرب الإصلاح وخرجت قياداته إلى الخارج، وزج بالآلاف من أعضائه في السجون، وحصدت الحرب مع تحالف الحوثي وصالح آلافا أخرى، وبدا وكأن الإصلاح يدفع فاتورة مشاركته في الثورة على نظام صالح عام 2011، الذي ذهب بعيدا حد إعلان التحالف مع الحوثيين تحت يافطة «مواجهة العدوان»، في إشارة لقوات التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن.

استمر تحالف الحوثي وصالح الذي قيل عنه حينها إنه أشبه بالزواج المؤقت الذي جاء لمدة محدودة ولغرض محدد، وبدا ضربا من تحالف الأعداء، نظرا لخوض الحوثيين ست حروب متتالية ضد نظام الرئيس السابق في الفترة ما بين 2004 و 2010.
لا شك أن الحوثيين حاولوا خلال فترة التحالف التخلص من مكامن قوة صالح العسكرية والشعبية، ونجحوا في نخر مؤسسات الدولة من داخلها، إلى أن سقطت الدولة في أيديهم في نهاية المطاف.

لم يكن أي من الحليفين يثق في حليفه، ولم يكن أي منهما يعتقد بديمومة هذا الحلف، وهو ما جعل الأحداث تتجه نحو تفجيرها يوم السبت الماضي، بعد أيّام من التوتر الأمني والعسكري، وشهور من الشحن الإعلامي بين الطرفين.

استمر القتال بين الحليفين أياماً قبل أن يعلن الحوثيون مقتل صالح، وينسجوا رواية هروبه إلى «المرتزقة في مأرب»، الأمر الذي أراد من ورائه الحوثيون تدمير شخصية صالح الاعتبارية والمعنوية بعد اغتياله جسدياً، حيث ثبت لاحقاً أنهم قاموا بتصفية صالح في منزله بعد أن قاتل مع بعض رجاله حتى اللحظة الأخيرة.

واليوم يفتح رحيل صالح الأفق على تحالفات جديدة، حيث من المتوقع حدوث تغيير في الحالية، بشكل تنسج فيه خيوط تحالف بين تيار قوي في حزب صالح، وحكومة الرئيس هادي الذي ينتمي كذلك إلى المؤتمر الشعبي العام، وهو ما قد يعني تقارباً مع تجمع الإصلاح المشارك في حكومة هادي وبقية مكونات ما كان يعرف باللقاء المشترك. غير أن تيارا حوثياً داخل المؤتمر تقوده قيادات موالية أصلا للحوثي داخل الحزب، هذا التيار سيمانع بلا شك وجود تحالفات من هذا القبيل، وسيعمل جاهدا لربط المؤتمر بالحوثيين، الذين سيعملون على استنساخ أيار مؤتمري صوري، يساعد على تجميل صورتهم، وإظهارهم بمظهر من ينفتح على التعددية السياسية والتوجه الديمقراطي.

ومهما يكن فإن الحوثيين يظهرون اليوم بقتلهم الرئيس السابق كمن أطلق النار على رجليه بعد فقدانهم الغطاء السياسي والحاضنة الشعبية التي كان صالح وحزبه يوفرانها لهم، حيث لم يكن الحوثي واضحاً وعارياً أكثر مما هو عليه الآن، بل ووحيداً في شكل ميليشيا انقلابية، ليس لها حليف سياسي، إلا آلتها العسكرية الضخمة التي سيطرت عليها بتسهيلات جميع الأطراف.

وختاما، يبدو أن على اليمنيين اليوم تحت مظلة العملية السياسية أن ينسوا خلافاتهم للبحث عن سبل مواجهة ميليشيات بطشت بالسلفيين والإصلاحيين، ونكلت بالليبراليين، وصولا إلى قتلها للرئيس السابق آخر حلفائها، الذي وفر للحوثيين قتله نصراً ولكن بطعم الهزيمة.

*القدس العربي

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر