نبش الذاكرة السياسية


منذر فؤاد

تفنن اليمنيون في نبش ذكرياتهم، وصورهم القديمة، التي تعود لسنوات، وبعضها يعود للقرن الماضي، في محاولة لإضفاء جو من البهجة والدعابة والمرح، وسط مشهد معقد من الحرب المستمرة، وانحراف مسار التحالف العربي عن دعم الشرعية، إلى مشاريع أخرى تعمل لتفتيت الأرض اليمنية، وتدمير الإنسان اليمني.
 
ظاهرة النبش التي اقتصرت على ذكريات "الزمن الجميل" حسب توصيف البعض، استدعت معها ضرورة نبش الذاكرة السياسية للبلد، لمعرفة خفايا الكثير من الأحداث السياسية، وكواليس السياسة، خلال الفترة الماضية، والتي لاتزال رهينة الغموض والإخفاء القسري.
 
في إحدى خطبه السياسية، تفاخر الرئيس هادي بما يمتلكه عن ماضي المخلوع صالح، لكنه لم يكشف شيئا من ذلك حتى الآن، ونفس الأمر ينطبق على بقية القيادات السياسية والعسكرية، التي عملت مع المخلوع صالح خلال فترة حكمه الممتدة لثلاثة عقود من الزمن، كما أن المخلوع صالح نفسه لم يتحدث عن أي من ملفات الماضي المتعلقة بخصومه منذ اندلاع الحرب، وتحدث مؤخرا متفاخرا وساخرا بأنهم خبزه وعجينه، وسيتصالح معهم يوما ما، وبرغم درجة الخصومة التي وصلت بين هذه الشخصيات، إلا أن هناك حالة اتفاق فيما بينها، على إخفاء ملفات الماضي المتعلقة بكل شخصية.
 
الذاكرة السياسية اليمنية حافلة بالكثير من الأحداث والملفات التي أحكم إغلاقها، ولم تتضح للمواطن اليمني ليعرف حقيقتها كما هي، لا كما يراد لها أن تكون، وخصوصا تلك الملفات والأحداث المتعلقة بفترة حكم المخلوع صالح.
 
في أوائل 2016، أزاحت ويكيليكس الستار عن حادثة اغتيال الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي، نقلا عن برقية مسربة من السفارة الأمريكية في اليمن، وبحسب ويكيليكس فإن المخلوع صالح شارك شخصيا في تصفية الحمدي وشقيقه، رفقة إثنين آخرين، خلال مأدبة غداء في منزل الرئيس الغشمي، الذي خلف الحمدي في سدة الحكم، على أن هذه الرواية المسربة، أكدت ماكان متداولا بين عامة الشعب من أن صالح كان يقف خلف عملية الاغتيال.
 
كثيرة هي الملفات التي لاتزال طي الكتمان، ولا يعرف الشعب عنها شيئا، إلا ماندر من خلال بعض التسريبات التي تظهر بين حين وآخر، ومن النادر أن نجد معلومات كافية حول فترة حكم المخلوع صالح لليمن، رغم مرور ستة أعوام على تركه السلطة، ومن المؤسف أن لا نجد مسؤولا سياسيا يتطوع لكتابة مذكراته وكواليس عمله خلال فترة حكم صالح، وكيف كان الرجل يرقص على رؤوس الثعابين، ويدير شؤون البلاد، وطبيعة علاقاته مع الحركة الحوثية وصعودها المفاجئ، وعلاقاته الممتازة مع قيادات القاعدة التي صنعها بنفسه، لابتزاز الغرب ماليا، ودوره في قتل اليمنيين من خلال الطيران الأمريكي، والملفات الأخرى المتعلقة بترسيم الحدود، وعلاقاته مع دول الجوار.
 
وحده الغموض من يحيط بملفات شائكة خلال الزمن الماضي منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وصولا إلى الثورة الشبابية التي كسرت حاجز الخوف وأزالت شخصية صالح من أذهان اليمنيين، وكشفت هشاشة نظامه وسطوته، ومع ذلك فقد شهدت فترة الثورة أحداثا لم تظهر حقيقتها الكاملة للشعب، كتفجير دار الرئاسة، والمجازر الدموية بحق الشباب في ميادين الثورة، وظهور القاعدة كقوة فاعلة تسقط المدن واحدة تلو الأخرى، تماما كما فعل الحوثيون بعد إسقاط عمران، وبقية المدن، وصولا لإسقاط الدولة، بمباركة أطراف إقليمية، ودولية، ودعم من خصمهم اللدود في الماضي علي صالح.
 
من حق اليمنيين أن يعرفوا تفاصيل ماجرى في الماضي، خصوصا فترة حكم المخلوع صالح، الممتدة لثلاثة عقود من الزمن، وكل مايتعلق بها من ملفات وأحداث سياسية، وهذا بالطبع يحتاج إلى شخصيات جريئة تنبش ملفات الماضي بتجرد، ودون انحياز أو محاباة، لمعرفة الكثير مما يدور في أروقة السياسة، وقذاراتها، وألاعيبها المختلفة، بما يكفي لتقييم المراحل الماضية، والحكم على شخوصها، والاستفادة من أخطائها، بما يضمن عدم تكرارها ولو بصورة أخرى.

كاتب صحفي ومدون

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر