لا أحد يحبنا


غمدان اليوسفي

 قال لي:" زرت عمتي يوم أمس في صنعاء، وأثناء زيارتي طرق الباب أحد الجيران يبحث عن أي شيء، "ما بش معانا ما ناكل"، وأعطتهم عمتي شوية رز، وبعد قليل، طرق أحدهم الباب، واتضح أنه أحد الجيران يبحث عن حبة طماط، وقالت عمتي بألم : ما فيش، وسألت عمتي لماذا لا تعطيه طماط، قالت باقي حبتين للعشاء"..
 
يواصل، "بعدهم جاء طارق ثالث وطلب لو في خبزة، رد عليهم ابن عمتي "ما فيش"، صاحت عليه عمتي، وقالت له "حرام مش لاقيين يأكلوا"، وقسمت الخبز والروتي معهم".
 
أعتقد هذا الكلام لم يعد مؤثرا أليس كذلك؟
 
ربما..
 
ما يجعل هذا البلد متماسكا حتى اللحظة هو الترابط الاجتماعي الذي خلق الألفة بين هؤلاء البشر، من يعتقد أن الشعب اليمني سيء فهو شخص ناقص عقل، ولم يعرف عظمة هؤلاء الناس في أي مكان من الخارطة، ومن يتحدث عن (جلافة) هذه البقعة من الخارطة أو تلك فهو لم يشاهد اليمني بتفاصيله الموجوعة، بإيثاره اللا متناهي، بقساوة عينيه ورقة قلبه.
اليمني احتاج على مر الدهور من يدير مقدراته، لكن تلك السنين أثبتت أن جميع من تسلموا زمام أموره قد استغلوا تلك (الميزات) وحولوا تلك القساوة في عيني اليمني ليشعلها شررا في أخيه اليمني.
هؤلاء الذين قامت على أكتافهم دول الجوار تم إدارتهم بقانون ربما ساعد بعضهم في تكوين حياتهم، وبعضهم قاسى الأمرين لينال لقمة عيشه، فلم يكن في الداخل لهم الملجأ من قساوة الخارج، بل كانت الجغرافيا تنال من أحلامهم كلما تحركوا هنا أو هناك.
أحلام اليمني في التجريب أودت به في المهالك، فتلك الأحلام وصلت حد الإيمان بصرخة الحوثي في شوارع مطار صنعاء حين نادى أنه سيحقق لهم تخفيضاً تافهاً في سعر مشتقات النفط، فاندفعت جموع الأحلام إلى تلك الشوارع لأنها أرادت أن تغير واقعها، وللأسف كان التغيير فقط في الوضع المعيشي لتلك الفئة التي لم تخجل مما تقوم به حيال كل هؤلاء الجوعى والطيبين.
اليوم يقاسي هؤلاء هناك لأن قساوة الموت أشد عليهم مما يعانون، ليس محبة في (هؤلاء)، بل لأنه لا يوجد (أولئك) على مدى البصر، ولأن من ركنوا على أيادي إنقاذهم صارت اليوم تتلطخ بدمائهم أو تعزف على أوتار لا تغني من جوعهم شيئا.
لم يجد اليمني من يعرف قيمته حتى اليوم، وبشاعة هؤلاء لا تختلف عن كل بشاعات الماضي القريب والبعيد، استهلك الحوثي كل صورته في ظرف ثلاث سنوات، بينما وجدت الشرعية نفسها في صراع مع ذاتها ومع حلفائها لسد رمق بعض الأمل هنا أو هناك على خارطة استرداد الدولة.
اليوم يتقاسم اليمني في صنعاء وتعز ومارب ما جادت به أيادي الصدفة من خبز وفتات، بينما يتقاسم أولئك مناصب وثروات العاصمة بلا خجل، وأولئك ينسون يوما وراء آخر أن لهم بلد يجب أن يعودوا إليه.
لا شيء يضاهي الشراكة في الأوجاع، فمن يده في النار من هؤلاء البسطاء ليس كمن يده في مياه ما وراء البحار والجبال والكهوف.
هناك تقاسموا خبزهم، بينما أولئك يتقاسمون إلى جوارهم الفلل والمكاسب السريعة بدون أدنى رحمة..
 
لا أحد يحبنا..
 
أوهم الحوثي جموع الحالمين بأنه قادم لتغيير منظومة الفساد، فجاء بمنظومة جعلت الناس يترحمون على فساد كل من سبق، وجاء الأشقاء لمساندتنا ضد فساد الحوثي ففرخوا الفساد في قلوب الناس قبل أن يصل إلى جيوبهم، واستحلى أولئك المبيت خارج خارطة الوجع وتناسوا كل ما كان، ووصل الحال بهم إلى نسيان العودة.
هؤلاء هما استغلوا طيبة البشر وعوزهم فحولوا طيبتهم إلى جنون يدمر أمامه ما تشاهده أعينهم، فقلوب أولئك الذين يتقاسمون الخبز مع جيرانهم هي ذات القلوب التي يحملها القناصين في تعز ويقتلون الأطفال، فقط هنا استخدمت كما أراد لها كلاب اليوم أن تستخدم، وأطفال تعز مثل الأطفال الذين يساقون كقتلة إلى المعارك، القلب واحد، ولكن العقل القائد هو الذي يريد لهذا الشعب أن يكون مجرد قاتل لأجل أهدافه فقط..
 
لا أحد يحبنا..
 
ستنهض العنقاء من تحت الرماد ذات يوم..
 
صحيح سيكون قد مر وقت طويل وألم كبير، لكن الأوطان لا تموت، والشعوب مهما تألمت لكنها لا تموت.. وسيكون كل هؤلاء مجرد أسماء تناساها الزمن..

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر