لو عدت بذاكرتك إلى الوراء نحو ألف يوم ستجد أن الوضع كان هكذا: مليشيا الحوثي والمخلوع تتجول في أحياء العاصمة مذهولين!، وسكان العاصمة يغادرون وقد حملوا أمتعتهم إلى أقاصي الريف البعيد، وضجيج الاعلام يتحدث عن تهاوي المحافظات واحدة تلو الأخرى،!! وكانت دماء اليمنيين تنزف في الحواري والأزقة والمعسكرات، بينما صواريخ الجيش التي كان يفترض أن تدافع عن حياض العاصمة تغط في صمت خاذل!، وحدهم بضعة جنود فقط من كان يذود عن العاصمة، عادوا مرهقين غارقين في التعب والفجيعة، فيما كان كل يمني قد وضع يده على خده من هول الكارثة، لقد كانت أخطر كارثة تحل على هذه الجغرافيا منذ قرون..
 
هل كان المشهد هكذا ليلة الانقلاب الأسود؟ هل احتفظت الذاكرة بهذه التفاصيل ليوم النكبة؟!
 
ربما لم يكن ظاهرا على السطح سوى الدخان المتصاعد من حي النهضة، والدماء النازفة في شارع الثلاثين وجامعة الإيمان، وطلقات رصاص خاوية في محيط الفرقة الأولى مدرع!!، كان الذهول الذي تفشى في أعماق قلوب اليمنيين أكبر من أن يوصف، وكيف لا ترى الناس سكارى وما هم بسكارى وهم يشهدون بلادهم تنحر من الوريد إلى الوريد، إنها فاجعة لن تمحيها سني الدهر أبدا..
 
***
 
وباتت في اليمن صورتان، واحدة للعاصمة صنعاء التي ملأت بالضجيج جراء مسرحية الانقلاب السمجة، وفي القلب منها تفاصيل محاصرة منزل الرئيس، واشاعات وحرب نفسية عن مصير الجمهورية، تلك كانت الصورة الأبرز، أما الأخرى فكانت صورة لا تكاد تبين، هناك عند الكثبان الرملية كانت مأرب التي كانت غائبة عن وجدان اليمني بفعل الدعاية السوداء التي رسمها المخلوع على مدى ثلاثة عقود لمأرب وأهلها!، نقطة ضوء في ظلام معتم، وكانت محفوفة بالمخاطر والهلع .. لقد كانت الصدمة كافية لتفقد الجميع صوابهم، تجاهلوا كل خيوط الأمل، وكادوا يتغافلون عن بقعة الضوء التي كانت تزاور اليمنيين من بين أعمدة عرش بلقيس، ليلة نكبة 21 سبتمبر كانت صورة صنعاء هي الطاغية ولا تزال، لقد توافدت جموع المؤيدين للانقلاب هذا الأسبوع إلى ميدان السبعين يحتفلون بذكرى النكبة السوداء قبل ثلاثة أعوام، وفرق بين حضورهم تلك الليلة وبين الليلة الماضية، فرق كبير، في الطموح والخطاب، في الوجهة والبرنامج، في الكيفية والمحتوى!، فرق صنعته نقطة الضوء الوحيدة للجمهورية ...مأرب هذه الليلة ومأرب ليلة سقوط العاصمة!!
 
***
 
بعد ظهر السبت كنا نجوب شوارع المدينة الآمنة مأرب، ويا لجمال مأرب، لقد تزينت بالعلم الوطني، في كل أعمدة الإنارة صورتان للرئيس وعلمان يرفرفان، وأنوار تضيء في الليل، تشعّ بألوان الطيف مضاعفة، مصابيح صغيرة مغلفة لا يتجاوز حجم الواحدة منها بنانة، والكل يعرفها، لكنها هذه الليلة لها معاني كبرى خالدة، وكأن كل مصباح يعيد رسم صورته في الذاكرة، يقول لنا انه  نقطة الضوء التي كانت تشع من مأرب ليلة النكبة القبيحة، ليلة الوهن والخيانات والخديعة، لقد تغير كل شيء وبقينا نحتفل بالجمهورية في منبع الضوء، نحتفل في مأرب وقد تزينت بالجمهورية وأعلامها وشعارها وتفاصيل الثورة، ومؤسسة الجيش، وأهازيج المقاومة، وأعمدة مطارح نخلا، وعلى رأس ذلك غرسة الدولة ونبتة الجمهورية التي رعاها سلطان وحافظ عليها، وهاهي اليوم قد أنبتت سبع سنابل وأكثر، لقد دارت الأيام، وتحولت أنظار اليمنيين إلى نقطة الضوء التي كانوا لا يكادون يرونها، وباتت اليوم نورهم الكبير ووهج الأمل في اليوم والغد والمستقبل.
 
***
 
وبين الصورتان حديث يجب أن نستذكره، مثل صور المدججين بالتوتر والهيجان، جموع تحاصر منازل الحكومة وأخرى على باب قصر الرئيس، ومثلهم في عتبات البرلمان وفوق أسوار رئاسة الوزراء، لقد طمسوا كل معالم الدولة، حولوها إلى مجرد تماثيل يلتقطون صورا من على كراسي الوزراء، حتى كرسي وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، التقطوا صورا، فعلوا ذلك كمن يزور آثار وكانت الرسالة واضحة، أن اليمن كانت هنا، وأن الجمهورية مرت من هناك، وأن قبل 21 سبتمبر 2014م كانت هذه مؤسسات دولة!!، تلك أحاديث الصور التي نشروها منتشين، إنها أشرس حرب خاضها اليمنيون على الإطلاق، حرب وجود، ورغم أننا لا نزال نخوض تفاصيلها؛ إلا أن المعادلة تغيرت بشكل كليّ، وباتت في وضعها النهائي، الجمهورية تعود من جديد، واليمن قاب قوسين من الدولة.
 
***
 
صور الرئيس اليوم في مأرب وحدها هي الحاضرة، هي العنوان الكبير للمرحلة، في مأرب يقف القصر الجمهوري شامخاً، وحده من بين قصور الجمهورية لم تطأه أقدام الانقلابيين، في مأرب وقفت أسوار المحافظة ومكاتب السلطة المحلية حصنا منيعا آوى إليها اليمنيون وعصمت الجمهورية ونواة الدولة وأركان الوطن.
 
القصر الجمهوري اليوم في مأرب ينتظر أن تحتفل فيه قيادة الشرعية جنبا إلى جنب مع السلطان السبئي الكبير، بقلب مفتوح وصدر رحيب تفرش مأرب الورود والسجاد الأحمر لكل رموز الدولة والشرعية، تنتظر وصول دولة رئيس الوزراء، وقد بات على الساحل الشرقي لا تفصله عنها سوى أجزاء من مسافات، مأرب أيها الناس .. تدعوكم لتجددوا انتماءكم للجمهورية، لتعيشوا في مجد الأجداد جوار قبر علي عبد المغني، وتستنشقوا نسيم الفجر الذي ملأ رئتي القردي البطل الثائر، وفي الوقت نفسه تغوصون بين تفاصيل بطولات الشدادي، وسطان العرادة..
 
أهلا بكم في مأرب .. حيث الضوء الذي انتشر، والجمهورية التي تحصنت وانتصرت.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر