تتدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن بصورة مروعة، ويتزامن ذلك مع انشطارات الحرب وتعدد اتجاهاتها في داخل المعسكر الواحد، مما يُفضي إلى مستقبل أسوأ من الواقع الحالي، فضلاً عن ضريبة الواقع المر، فحرب التحالف لم تعد مركزية مع نفوذ إيران، بل الحديث أصبح علناً على أن المواجهة مع الإصلاح اليمني والتيار الإسلامي، وبالتالي انقسام في نفوذ الحكومة الشرعية التي يتزايد ضعفها، بعد أن صودرت عدن لصالح القوات الخاصة بإمارة أبوظبي، وبعد أن بدأ بالفعل تنفيذ مشروعها الذاتي على الأرض.
 
وبات الرئيس هادي تحت تهديد مباشر في أي وقت لنفيه من عدن، ولا يُعرف كيف ستُدار أو تقف الحرب بعد ذلك، من خلال تمزق الجبهات المستمر، الذي بدأ التخوين فيه يستعر، والذي وصل إلى حد قصف بعض المواقع، التي تُقاتل تحت مشروع استعادة الدولة من اختطاف الحوثيين لها، عبر حرب التحالف العربي بقيادة المملكة، وهو ما فاقم الأزمة.
 
في المقابل فإن هناك تأكيدات مستمرة على وجود جسور حوار فاعلة، بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وبين ممثلين للتحالف العربي، تدور حول سيناريو محدد تقف فيه الحرب، لكن تستبدل بحروب أخرى في دائرة التحفيز لمواجهات مسلحة بين الحوثيين والإصلاحيين.
 
وكل هذه الاستراتيجيات والاستراتيجيات المواجهة، لا تضمن في الحقيقة وصول أي منها إلى مبتغاه النهائي، بل حتى عزل الجنوب عبر قوات تخضع كليا لسلطات أبوظبي، لا يُضمن أن يستقر الأمر فيها.
 
لا من خلال ضمان وحدة الصف الجنوبي، ولا من خلال المراهنة على انتهاء القاعدة من أرض الجنوب، التي تغذّت على الحروب والفوضى الأمنية، التي أشعلها صالح قديماً، أو التي نشأت بعد انتزاع الحوثيين السلطة من مخرجات كفاح الثورة اليمنية، رغم حصار المبادرة الخليجية للثورة وتخفيض سقف طموحاتها.
 
ولو تَرك الحوثيون المشروع الذي استدرجهم من خلال دفع طهران، أو تشجيع الأطراف الخليجية لهم، والتي سعت لتقويض خلاصات الثورة اليمنية ومنع نفق الضوء البسيط للإنقاذ والحلم الشعبي، لما كان واقع اليمن ليُجر لهذه الحروب، حتى لو بقي الصراع السياسي والأيدلوجي، فالتاريخ العربي والإنساني شهد صراعات كبرى، من صمد منها أمام العسكرة المسلحة، كانت ضريبته أقل مقارنة بالسقوط العسكري، الذي عاشه لبنان في حربه الأهلية، ويعيشه اليمن في واقع مآلاته العسكرية.
 
وهي كلفة مدمرة أقسى ما فيها، أنها تُصب على صحة وسلامة الإنسان اليمني، وأجيال أطفاله ومستقبلهم التعليمي والصحي المتدهور، ثم اجتياح الأوبئة والمجاعات المؤلمة لكل حي وكل بيت يمني، فضلا عن قصف المدنيين المتبادل، ولا يجوز أبداً الفرز فيها باسم الجبهات بل باسم اليمن وإنسانه الممتحن.
 
والحقيقة أن خريطة الوضع الإقليمي معقدة للغاية، ولا يوجد صحة لتصور يُروج بأن الحرب ستنتصر لأي طرف قريباً، لا لجهة التحالف العربي، ولا حتى مراهنة الحوثيين على الصراع داخل معسكرات التحالف.
 
وتقسيم الجبهات بين الموالية لهادي من الإصلاحيين وغيرهم، وبين المفارز التابعة لهادي، وهي تأتمر بغيره، أو المجموعات التي تُقاتل من خلال الدفاع الاجتماعي الذاتي أمام هجوم الحوثيين، على مناطقهم، والغبن التاريخي من عهود ومشاريع صالح، الذي لايزال قويا حتى اليوم، وهذه حقيقة سياسية لا علاقة لها بمستوى إجرامه ضد شعبه.
 
فكيف تُقدم مبادرة تصور للإنقاذ، وهل البقاء ضمن تقلبات الوضع الإقليمي بعد توجهات التحالف العربي، ممكن أن يُفضي إلى حل توازني، أم أن ذات واقع قوات التحالف واصطداماتها وتعمّق الأزمة الخليجية وتأثيراتها على حرب اليمن، بات في ذاته عنصر إعاقة لا يسمح بأي تفكير متوازن للخلاص إلى اتفاق لوقف الحرب، وبدء مفاوضات سياسية.
 
فما يجري اليوم هو زيادة تورط التحالف، في الخطاب السياسي العنيف ضد الإصلاح، الموجه اتهاماته لجبهاتهم أو القبائل الموالية لهم، دون أي تصحيح أو استدراك على هذه التصريحات.
وحسابات معسكر الحوثي أن هذا الواقع قد يؤذن بنصر عسكري لهم، هو أيضاً وهمٌ كبير، فإمكانيات إبقاء الحرب الاستنزافية هو الخيار الذي سيبقى قائماً، في ظل عدم الحسم وعدم الوصول إلى اتفاق يُنظم وقف الحرب، والبدء بعملية سياسية تُنظم الحكم الانتقالي بعد فترة محدودة لهادي، تجرى عبرها انتخابات شاملة.
 
وحتى حسابات التحالف لإعادة تأهيل صالح، والمراهنة على حرب داخلية بين الحوثيين وجيش صالح، ليست مآلاتها مضمونة لأي طرف، ومن المتضرر من كل هذه الحسابات بعد ذلك؟
إنه اليمن وإنسانه.
 
ولذلك فالمدخل هنا هو الولوج القوي والواثق، لإعلان مبادرة وطنية داخل اليمن، تعتمد خبرات رجالاتها التاريخيين المخضرمين، بغض الطرف عن أي معسكر صنّفوا عليه في الحرب، فالاستقلال الكامل صعب بعد هذه المرحلة.
 
تحشد هذه المبادرة الدعم العشائري والسياسي والفكري، وتؤسس لعودة الخطاب اليمني الجامع الذي يتجاوز ويؤسس لتصفية كل أحاديث الطائفية والتناحر الاجتماعي الخبيث، لإعلان وقف لإطلاق النار، تُستأنف بعده مفاوضات صعبة جداً، كي تصل إلى نموذج ينقل اليمن أولا إلى إطار الدولة القائمة الموحدة سياسيا، ثم يُنظم العبور الثاني للمصالحة والحل الدستوري الانتخابي.
 
وكيف يتم ذلك في معزل عن التحالف العربي وإيران؟
لسنا نقصد قطعا تجاوز القوتين المؤثرتين، فالجهود والمبادرة الاجتماعية اليمنية لوقف الحرب، ستتواصل مع التحالف العربي بكل أعضائه المؤثرين وبالذات الرياض، ولابد من التواصل مع إيران أيضاً فهي طرف فاعل في الحرب وفي أزمة اليمن، لتأمين أكبر قدر من الدعم للأطراف المحلية للوصول لوقف إطلاق النار.
 
ولكن البعد الاجتماعي العشائري الذي لعب دوراً كبيراً في كل التاريخ اليمني، والذي يُعتبر العنصر المركزي في تشكيلات وقواعد الانتماء الاجتماعي المؤثر للغاية في الحالة السياسية اليمنية، هو القوة الوحيدة التي تستطيع تحقيق هذا الاختراق، مادام أن هناك مرحلة فراغ خطرة لا تُشجع أي طرف على حسم مسألة الحرب أو وقفها.
 
 
والقدرات على الأرض قادرة أن تحرق اليمن مراراً وليس لمرة واحدة، لو استمر هذا الفراغ الجهنمي، وهنا نحن نتحدث عن وقف الحرب وليس عن الطموح السياسي للكفاح المدني اليمني، ولا أحلام الربيع المغتالة خليجياً وإيرانياً، فالبوصلة هنا يجب أن تقف لإخراج اليمن من الحرب، وما بعد ذلك من كفاح أو تنافس سياسي هو متروك للحركة الوطنية اليمنية.
وشراكة الحوثيين والإصلاحيين، وتجاوبهم مع هذه الجهود، قد تحقق مدخلاً إيجابياً لتحييد بأس قوة صالح، وتحفيز الشركاء في المؤتمر العام لخلق أجواء مصالحة اجتماعية وطنية، كما أن واقع الجنوب وإقرار حقه الفيدرالي المطلق، وانتشار قوات وطنية محايدة يطمئن لها أهله لابد أن يتم الاتفاق عليه.
 
فلا تُبذر أي جذور لحرب شمالية جنوبية جديدة، ويُحدد الحديث عن الاستفتاء والإطار الكونفدرالي، في إطار العمل المستقبلي المركزي للتنسيقية الوطنية للمبادرة، لعل الله يخرج اليمن من محنته، ولا سبيل لذلك دون وقف الحرب، وأول محطة لإنقاذ المشرق العربي هو وقف حروبه المجنونة، من يمنه إلى عراقه.
 
*الوطن القطرية

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر