لاتخاذ قرار مصيري يتعلق ( بانتماء وحياة ) , تقوم القيادات والحكومات المنضبطة المسئولة, في جو من العلنية والنزاهة والحرية , بإجراء دراسات واستبيانات واستفتاءات لفترة كافية ظن فيأتي القرار النهائي واقعيا ومعبرا عن روح الشورى وحرية الرأي , وملزما للجميع بالعمل بموجبه.

وأما عندنا فيكفي تغيير مسئول وتجمع بضعة ألاف ليتم في لحظة إصدار قرار مصيري يتعلق بحياة أمة وتركيبة وطن, دون حاجة لدراسات واستفتاءات , وخطط وآليات . هكذا نحن في الجنوب عند كل منعطف.


 
فبعد الاستقلال كان يكفي قراءة مجلدات رأس المال لـ ( كارل ماركس ) كي تقرر ( الشلة) شكل الاقتصاد السياسي من خلال قوانين الجدل (الدياليكتيك) دون تدرج تطبيقي وجدول زمني، ودون دراسة لأثار ذلك على الوطن وبنيته وخيراته, وعلى المواطن وحياته ومعيشته , فكانت النتيجة دمار وطن عامر وخراب اقتصاد زاهر، وتبع ذلك إزهاق أرواح نقية, ونفي أسر كاملة, وفرار ألاف من أبناء الوطن.

 

 وطوال الحكم الاشتراكي كانت تكفي جلسة محددة، كي يتقرر من يبقى ومن يتم الإطاحة به، ومن المهازل أن انفتاحا طفيفا مس حياة المواطنين عبر ساحة الشهداء بمحافظة أبين , تعرفوا من خلاله على بعض الكماليات والمنتجات الرأسمالية, وأن جود مسبحٍ وصحن هوائي في بيت المحافظ (محمد علي أحمد) , كان أحد أعذار مجزرة 86 , تلك المواجهة التي قصمت ظهر الجنوب تماما . وهي فترة لم يعشها ويعيها أكثر المطبلين للعشوائية والحماسة القاتلة اليوم.

 

وفي الذهاب نحو الوحدة كان يكفي أن يحرك البيض خصلات شعره الناعمة بيده الطرية , ليقرر قرارا مصيريا دون وضع الدراسات والبنود والضمانات, التي تساعد على السير بخطوات واثقة سليمة لحل الخلاف وصون الحقوق.

 كما شهدت تلك الفترة انضمام كوادر اشتراكية, وشخصيات جنوبية للمؤتمر الشعبي العام, وكثير منهم شارك في حرب 94 ترسيخا للوحدة, وفي كل انتخابات يخرج ملايين من الجنوب لتأييد (علي صالح) ضد أي خيار وطني حتى ولو كان جنوبيا.

 

 وبعد أن أصابتهم التخمة من مائدة المؤتمر الشمالي , وبدأت حنفية الموارد تنقط قطرات طفيفة بعد سيلها الغامر , هنا تذكر البعض الجنوب , فمنهم من عاد طامعا , وكثير منهم تمت إعادته عمدا , ومنهم مخلصا وطنيا . ولكنهم اليوم متفقون على تحميل (الإصلاح) وحده تبعات خيارهم، وحماقة قرارهم , وسوء إدارتهم.

وهاهم اليوم بنفس النمط والرؤية, ودون مراجعة ولا عبرة, يقررون ـ وحدهم ـ تكوين مجلسٍ انتقالي جنوبي , ويفوضون من يختار عن الأغلبية مصيرهم , وطريقة إدارتهم , وشكل وطنهم، وذلك لن يتحقق لهم إلا بنفس وسائل سلفهم في سبعينيات القرن الماضي.

 وما يؤكد هذا أن التوجه الاشتراكي ومن وراءه روسيا, هي من كانت تقرر كل شي في الجنوب , وقد عُرِفت بمحاربة الدين حينها . واليوم يقف وراء هذا التوجه من قد عرف الجميع شدة حربها لكل فكر إسلامي حركي , يسعى للحكم بالشريعة شمولا وكمالا . إن ما يحدث اليوم إنما هو تحقيق مصالح , وتصفية حسابات, وتنفيذ أجندات، وما الجنوب فيها إلا حصان طروادة وما الشعب إلا مسمار جحا.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر