مسؤولون بلا مسؤولية


منذر فؤاد

 عندما اختير الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز لتولي الخلافة، تلقى الخبر كمصيبة حلت عليه في تلك الساعة، فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون".
 
كان عمر يدرك أن الخلافة ستكون ثقيلة، تتطلب مسؤولية توازي هذا الثقل، ولم ينظر إليها قط كوسيلة مربحة للمال، أو باب لرفع المكانة ونيل الشهرة، بقدر ما كان يستحضر هموم ملايين السكان الذين أنابوه عنهم لرعاية شؤونهم.
 
أما اليوم، فإن المسؤولية أصبحت مفرغة من معناها الحقيقي، وليست أكثر من منصب مدر للمال، جالب للشهرة والأضواء، وسيلة لإرهاب الخصوم وقمعهم والتضييق عليهم، وأنا هنا لست بصدد المقارنة بين نظرة عمر للمسؤولية، ونظرة مسؤولي اليوم، إذ لا مجال للمقارنة، وإنما لإبراز حجم الانحراف الهائل عن المسار الذي يجب أن يكون عليه من يتولى أي مسؤولية صغيرة كانت أم كبيرة.
 
ابتلانا الله في اليمن، بمسؤولين وجدوا في المنصب تجارة رابحة تتطلب جهدا كبيرا من الحذاقة والاحتيال لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الذاتية، حتى إذا جاء وقت ترك الوظيفة يكون المسؤول قد حصد من المال ما يكفي الجيل الثالث من أحفاده!
 
لقد بلغت حالة انعدام الضمير والحس الانساني، لدى مسؤولي الدولة، إلى الدرجة التي أصبح معها موت الآلاف أو وقوعهم تحت خط الموت، أمرا جيدا للربح وفرصة للتنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الضحايا إن تتطلب الأمر.
 
هذه الدولة أضحت وكر فساد كبير؛ ولو لم تكن كذلك، لوفرت الخدمات الصحية لملايين المرضى الذين أصبحوا تحت رحمة المشافي الخاصة وتكاليفها المرتفعة، ولتحركت بأسرع ما يمكن وهي تشاهد الآلاف من أبناء تعز وهم يتساقطون تباعا في شراك حمى تضاربت الآراء حول تشخيصها، ولسارعت لإنقاذ الآلاف من أبناء تهامة الذين تفتك بهم الأمراض وتقتلهم المجاعة بشكل يومي، ولتحركت لصون أرواح المواطنين التي تزهق في طريق العبر نتيجة الحفريات الممتدة على طول الطريق، والقائمة تطول لسرد حالات المعاناة التي تلف حياة المواطن، ولا تجد من يلتفت إليها من مسؤولي الدولة.
 
صحيح لدينا دولة، لكنها مختطفة حتى الآن، ومن يمسكون بخيوطها لا تحركهم ضمائرهم إلا بقدر ما يحصلون عليه من مقابل. دولة تحكمها الغرائز وتخضع للأمزجة ويسودها التطبيل ويموت فيها المواطن ألف مرة قبل أن يوسد جسده في التراب!
 
إنني أكاد أجزم، لو قدر لهذه الحرب أن تنتهي كما يريد الشعب، ووجد قضاء مستقل، لكان مصير الأغلبية من مسؤولي الدولة هو السجن على أقل تقدير، ولكن الواقع مختلف عما هو مأمول؛ يطلق الشعب صرخات مكلومة مستنجدا، فيطلق المسؤولون أيديهم لمرتين فقط، الأولى لتحية الجماهير، أما الثانية لسرقة جيوبهم!
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر