وفقا للمؤشرات السياسية، فإن ثمة طبخة تجري على نار هادئة لإنهاء الحرب في اليمن، بما يتواءم مع أهداف ومصالح أطراف داخلية وخارجية، وليس بالضرورة أن تتقاطع هذه المصالح مع مصلحة الشعب، فهو آخر من يُلتفت إليه.
 
اتفاق الرياض الأخير، انضم إلى سلسلة من الاتفاقيات التي جرى توقيعها خلال السنوات التسع الأخيرة، وهذه الاتفاقيات غالبيتها لم تنفذ، بل إنها كانت أشبه بالمخدر الذي يعطى للمريض، لينسيه الألم لبعض الوقت لا أكثر ولا أقل.
 
وهذه الاتفاقيات أمعنت في مصادرة الإرادة الشعبية، لصالح قوى سياسية وأطراف خارجية، وضاعت سيادة البلد الداخلية المتمثلة في حرية الاختيار، والسيادة الخارجية المتمثلة في استقلالية القرار.
 
منذ عام 2011 وحتى الآن، جرى توقيع أربع اتفاقيات سياسية كان لها صدى كبيرا في الداخل والخارج، وهي اتفاق المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة واتفاق ستوكهولم واتفاق الرياض الأخير.
 
في جميع هذه الاتفاقيات كانت السلطة طرفا رئيسا، وكانت أحزاب المعارضة طرفا في اثنتين منها ومؤيدة لاثنتين منها، أما ميليشيا الحوثي فكانت طرفا في اثنتين منها ومعارضة لاثنتين منها، لكن ما يهمنا الآن ليس المواقف وإنما في كون هذه الاتفاقيات لم تعرض أبدا على الشعب ليقول رأيه فيها، ولم تتطرق لمحاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا، وهي بذلك كرست للاستبداد ومصادرة الإرادة الشعبية بل أجازت ضمنا حق الجلاد في القتل ومنعت الضحية من حق الإنصاف.
 
لقد شكلت المبادرة الخليجية، حجر الأساس في مصادرة الإرادة الشعبية وفرض الوصاية الخارجية، ولعبت أحزاب المعارضة حينذاك دورا مهما في تسويقها وخداع الجماهير مقابل منحها نصف مقاعد الحكومة، وأضحت المبادرة الخليجية التي كان الثوار يرون فيها طوق نجاة للنظام واعتداء صريحا على تضحيات ومكتسبات الشعب، أصبحت مرحلة جديدة يجب دخولها لإسقاط نظام صالح، وكانت أولى محطات مصادرة الإرادة الشعبية بإجراء انتخابات رئاسية شكلية محسومة سلفا، الفائز فيها مرشح وحيد والخاسر فيها هي حرية الشعب في اختيار من يمثله، ثم قيل للناس:لقد نجحت الثورة في إسقاط النظام!!
 
أما بالنسبة لمصادرة السيادة الخارجية "استقلالية القرار" فلن نذهب بعيدا، فهذا اتفاق الرياض الأخير نص عليها صراحة ومنح السعودية حق الوصاية على الشرعية، بعد أن كانت تمارسها بشكل غير علني منذ العام 2015، وبذلك يكون اتفاق الرياض الأخير هو الصورة الأوضح لمصادرة وذبح السيادتين؛ الداخلية والخارجية.
 
أربع اتفاقيات منذ 2011، حملت في طياتها عبارات فضفاضة وبنود تؤكد على سيادة الدولة، وتلبية تطلعات الشعب، لكن نتائجها الكارثية ما تزال ماثلة أمامنا؛ مصادرة لإرادة الشعب، وإهدار للسيادة، وتسليم البلد للحوثيين، وتكريس المحاصصة السياسية والمناطقية، وارتقاء آلاف الشهداء والجرحى، وشرعنة الإفلات من العقاب، وتدمير المنازل والممتلكات، وفساد كبير يسير بالبلد نحو الهاوية، وغير ذلك الكثير مما يجعلنا نلعن الاتفاقيات والأقلام التي توقع عليها.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر