في اليمن.. "الموت واحدُ"


فكرية شحرة

 صادفتها أكثر من مرة وكانت نظراتي تتكسر شظايا أمام عينها الوحيدة.
 
وحدها ترمق هشاشة الحياة بعين واحدة، تطل من فرجة حجابها الذي اعتادت أن تخفي به نصف وجهها تماما ..
 
ربما هي الحياة بأكملها تبدو لنا جميعا هكذا: نصفٌ يكسوه الشقاء والألم، ونصف يمارس العيش بأمل.
 
تجلس في ذات الزاوية، بعين تبدو كأنما انتهت للتو من بكاء طويل. تتأمل وجوه من حولها، وهم يرفلون في ثياب الصحة والعافية، ويطيلون الشكوى من هموم لا تشبه مصابها.
 
تصغر الدنيا كثيرا في وجه يستقبل الموت بعين ويراقب الحياة بأخرى..
 
ليست الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى فحسب؛ إنما الصحة حياة أخرى لمحكوم بالإعدام يقاوم الموت بجلسات العلاج.
 
أن تكون مريضا بداء خبيث، فأنت في عداد الأموات ليس إلا ..! لكنها في نظر آخرين من عداد المحظوظين، كونها استطاعت السفر وتلقي جرعات العلاج في جمجمتها المتآكلة.
 
يقتل السرطان الفقراء، كما تقتلهم الحرب.. هم الفئة المستهدفة من الموت بالدرجة الأولى. ويقتلهم الاهمال واليأس آلاف المرات، ليكون موتهم الرحمة المنتظرة فحسب..!!
 
الميسورون محظوظون بإطالة فترة الأمل والشفاء أحيانا.. تتلقاهم المستشفيات لتحيلهم في غمضة عين إلى فقراء معدمين يتسولون تذاكر العودة إلى الوطن لبدء حياة جديدة، أو..دفن الجثة!!
 
تزدحم مستشفيات القاهرة بهؤلاء المرضى.. يتزاحمون جنب إلى جنب مع أشلاء الجرحى ومعاناتهم، يملؤون فضاء الحياة بأنين نزاعهم المستمر..!!
 
في بلد، تتلاشى فيه أبسط حقوق المواطنة، سيعد العلاج للأمراض المستعصية رفاهية غير موجودة، أو شبه منعدمة..! لذا يضطر آلاف المرضى للسفر خارج الوطن، في محاولة للبقاء على قيد الحياة الصعبة في اليمن.
 
أما عن أولئك، الذين لا يملكون مصباح علاء الدين السحري، فلا مناص من الموت على فراش المرض والفقر، وتكفيهم مقولة: "تعددت الأسباب والموت واحد".
 
السفر للخارج، بالنسبة لليمنيين، أشبه بالسفر خارج كوكب الأرض، لتكاليفه الباهظة، وصعوباته المهلكة، التي تحتاج إلى عزيمة نفاثة، وتحركات مكوكية، تحرق صبر وروح من يقترفها..!!
 
يظل المرض قدرا مؤلما، ندفعه بالتداوي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.. لكن صعوبات دفعه في بلد يحتضر، قهرا وظلما، يعد المهمة الأصعب..!!
 
بلد يفتقر لمقومات الحياة.. يموت أبنائه من أمراض وعلل انقرضت في العالم لتنتعش فيه.. تتفاقم فيه الأمراض الخبيثة بنسبة عالية في تسارع ينذر بكارثة صحية..!!
 
تغلق مطاراته في وجه المرضى ودوائهم، وتفتح لإيصال السلاح مع القتلة..!!
 
الجميع يعلم أن مطار صنعاء يودع ويستقبل رحلات طيران مخصوصة للحوثيين والتحالف، وأن إغلاقه في وجه اليمنيين فقط، امعانا في تركيعهم تحت أقدام الحوثية..!!
 
تعسرت الحياة في وجوه الأصحاء؛ ولكنها تصفع المرضى بقسوة، كأنما لا تكفيهم معاناتهم..!!
 
يؤكد لنا وضعنا المأساوي دائما، أن مقولة: تعددت أسباب الموت في اليمن والموت واحد، هي الحقيقة الثابتة التي نعيش عليها..!!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر