مثلما تؤثر الحرب على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنها تؤثر أيضا على الجانبين الأخلاقي والثقافي. ومثلما يمارس السياسي عمله في مجال السياسة ونقد وتصويب المسار، ويؤدي الطبيب دوره في إنقاذ وعلاج الأرواح، ويساهم الخبير الاقتصادي في إصلاح الأوضاع ومعالجة الاختلالات، فإن العالم والداعية والمصلح الاجتماعي يؤدون أدوارا كبيرة، في تشخيص الأمراض الأخلاقية والعمل على علاجها في إطار الدين الإسلامي والقيم المجتمعية، بما يصلح الخلل ويحفظ ثقافة المجتمع.
 
لقد أفرزت الحرب خللا في المنظومة الأخلاقية، بصورة أصبح معها ما كان يعد فسادا أخلاقيا في السابق، أمرا اعتياديا تتطلبه ظروف المرحلة العصرية ويبرر له تحت يافطة "الانفتاح على الثقافات" و"مواكبة روح العصر" وغيرها من العبارات التي تبعث في النفس بريقا خادعا، وسعادة زائفة.
 
وإنه لمن الطبيعي في ظل تنامي هذا الخلل، أن يبادر العلماء والدعاة وعامة الناس لأداء دورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوعية العامة بمخاطر الانسياق وراء السراب الخادع الذي يهدف إلى القضاء على أخلاق وقيم المجتمع، مستغلا حالة الحرب والفوضى التي تشكل ملاذا آمنا لخلق مشهد جديد وإعادة تشكيل الهوية الأخلاقية للمجتمع.
 
لكن غير الطبيعي، هو أن يتم مهاجمة هؤلاء المصلحين أو الغيورين، واتهامهم بمحاولة حرف مسار المعركة والتشهير بهم كدعاة للرجعية والتطرف والتخلف ونعتهم بالخيانة وتنفيذ أجندة مشبوهة، في حين أنه لا يوجد أي تعارض بين دورهم في ميدان القيم والأخلاق ودورهم ودور الآخرين في المعركة السياسية والعسكرية، بل إن المعركة متكاملة، لا تتوقف على جانب واحد.
 
إن المجتمع يعيش أزمة أخلاقية وثقافية حقيقية، لدرجة لا يفرق فيها بين "العصرنة والانفتاح" وبين الهوية الثقافية التي تحفظ طابع المجتمع وتشكل ميزة له، لا نقصا يتطلب الخلاص منه، واستيراد بديله من الثقافة الغربية، وما يترتب على ذلك من إحلال الثقافة الغربية في التعامل والملبس والمأكل والمشرب، وتجريف ثقافة المجتمع الأصلية.
 
وتيار التغريب الذي ينشط بدرجة مؤثرة في أوقات الأزمات والحروب من خلال شبكة من المؤسسات والمنظمات المحلية والخارجية، لا يمكنه أن يلبي تطلعات وآمال الناس مهما امتلك من المال وأساليب الدعاية، كونه يتصادم مع الهوية الثقافية للمجتمع، وإن حقق نجاحا لبعض الوقت مستغلا حالة الفوضى التي أفرزتها الحرب، ذلك أن هذا التيار يسبح بعيدا عن ثقافة المجتمع، وحاجاته في الحرية والعدالة والعيش الكريم التي صادرتها الأنظمة الوظيفية على مدار عقود من الزمن، ولا تزال الشعوب تكافح وتخوض نضالا مصيريا لنيلها.
 
إن الشعوب العربية تتعرض اليوم لحرب شعواء، لا تقتصر على الرصاص فقط، وإنما تشمل مجالات مهمة لعل أبرزها تلك التي تستهدف أخلاق وثقافة المجتمع، بصورة مريعة لا يمكن تفسيرها في إطار التماهي مع روح العصر، وإنما في إطار المعركة والصراع بين تطلعات الشعوب وتوقها للحرية والعدل والكرامة، وبين رغبة الاستعمار ووكلائه من الأنظمة الوظيفية والتيارات العلمانية في تتويه الشعوب وإبقاءها رهينة الولاء والتبعية.إطار المعركة والصراع بين تطلعات الشعوب وتوقها للحرية والعدل والكرامة، وبين رغبة الاستعمار ووكلائه من الأنظمة الوظيفية والتيارات العلمانية في تتويه الشعوب وإبقاءها رهينة الولاء والتبعية.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر