وطن بديل.. وغصة كبيرة


فكرية شحرة

 أشياء صغيرة تفتك بروح البعيد عن وطنه.. ليس الحنين إلى الوطن أو شعور الغربة والوحدة وصعوبة العيش وأخبار الوضع والحرب..، فقط.
 
حتى المسرات التي نبذل، للوصول إليها، كل راحتنا؛ ونسعى إليها بكل التعب والمعاناة؛ نصل منهكين كمحاربين عادو بالنصر الحزين، تفتك بأرواحنا..!!
 
تلك المسرات، التي نراها في صغارنا، ونحن نجتهد من أجل خلق حياة حقيقية لهم.. هم المستقبل الذي نحمله على ظهورنا وفي قلوبنا، بحثا عن النجاة من ماض مفخخ وحاضر مدمر؛ هم بذرة الوطن الصالحة التي ستزهر في أرضنا يوما.
 
في أول يوم دراسي في المهجر، يكون الوطن أكثر الحاضرين وجودا.. تستجلبه لوحة ترمز لحب الوطن، ليس فيها أسم اليمن، في نشيد وطني ليس لوطنك..!!
 
في أول طابور صباحي، لبداية عام دراسي، تتوالى على مخيلتك سياط الذكرى لمشهد التعليم في بلدك؛ لم يعد العوز في المدارس والامكانات فقط ما يؤلم النفس؛ فقد صار الضياع ايضا فيما يتعلمه الأبناء من خرافات وشعوذة..!!
 
التعليم وجع اليمن الأول والأكبر؛ مربط الفرس المنفلت، وفجوة الوعي التي تسرب منها كل الجهل والتجهيل الذي دمر حياة اليمنيين وأمنهم..!
 
ينكئ الجرح، أن هناك تعليم منظم يهتم لأبسط الأمور، لا يشبه تلك الفوضى في بلدك. ملاحظة صغيرة من طفلتك الصغيرة تغرق قلبك بالحزن: "كل المكتوب عن مصر.. ما فيش عن اليمن شيء!!"
 
يصبح الوطن وتد هائل مغروس في القلب، يثبتك للحزن مليا..!!
 
في ساحة المدرسة، لم تكن مصر وحدها الحاضرة؛ لقد ضمت إليها أوطان العرب المشردة، كأمّ كبيرة..
 
نحب مصر، وندعو لها بالأمن والأمان، فهي أمنا العظيمة، وبابا لم يغلق في وجوه كل العرب.
 
في أول يوم دراسي، عاد الأولاد يقُصّون عليَّ يومهم، قالوا جميعا: لم نقدر على ترديد النشيد الوطني..!! ياله من شعور بالغربة!! وأضافت فدوى- أبنة الحادي عشرة: بكيت يا أمي وأنا أتذكر نشيد اليمن "رددي أيتها الدنيا نشيدي.. وأعيدي وأعيدي وأعيدي"..!!
 
ستنتهي هذه الأشهر الثقيلة خارج الوطن، ونعود لنردد نشيدنا الوطني تحت سماء بلدنا..
 
تبا للاستعمار، الذي خلق هذه الفواصل بين وطننا العربي، لتشعرنا بتعدد الكيانات لكيان هو في الأصل واحد.
 
هل سيأتي اليوم الذي نردد فيه نشيدا وطنيا واحدا لكل العرب؟؛ عملة واحدة لكل العرب؟

حلم أبعد من الخيال.. فلم نتفق على مستوى الوطن الواحد !!
 
سعادتي بما أنجزت في أرواحهم الصغيرة من محبة الوطن، أنستني تلك الدموع التي طفرت من عيوني، وأنا أستمع لطابور الصباح جوار سور المدرسة، أنتظر صعودهم للصفوف الدراسية.
 
لطالما أيقنت أن مشكلة اليمنيين هي فجوة حب الوطن، المنعدمة في تربيتهم وتعليمهم؛ يظهر في المناسبات العظيمة، ويختفي وقت المصالح العظيمة..!!
 
يظل حلم الاغتراب أول أحلام اليمنيين؛ هاجرت أرواحهم عن الوطن قبل أجسادهم.. فإذا هاجروا، قتلهم الحنين واستبدت بهم الغربة..!!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر