لا تبدو السعودية تائهة إلى ذلك الحد الذي يجعلها غير قادرة على تحديد مسار الوضع في اليمن، وهي التي تدخلت بهدف تصويبه، وإعادته إلى حضن أبنائه، بعد انقلاب الحوثيين على الجمهورية ومخرجات الحوار الوطني، الضامن الحقيقي لإنجاح مساعي الحل لكل القضايا العالقة منذ ولادة اليمن بدولتيه، ومنذ الوحدة أيضًا، ولكنها – أي السعودية – لها مآربها الأخرى، التي تجعل مما يجري، وكأنه تنفيذ لمخطط ما، عكفت عليه الشقيقة معية حلفائها؛ لإخراجه بهذه الصورة القاتمة، علّها تحقق ما تريده، دون عناء السيادة اليمنية، الممزقة بين صنعاء وعدن!

من الواضح جيدًا، أن انعدام صيغة التعامل البيني لليمن مع المملكة، جعل الأخرى تتحكم في قدر بلادنا، شئنا أم أبينا، وهي ذات وطأة القدم، وصاحبة القرار النهائي، والتي تملك تشكيل الواجهة اليمنية، وتحديد ما يجب أن تكون عليه البلاد لعقود قادمة، وهذا نوع من الحسابات السعودية في اليمن، وعلى أساسها تدخلت بعاصفتي الحزم وإعادة الأمل؛ لحماية حساباتها، ولتنفيذ رؤاها التي  بها تضمن أمنها الدائم، وبقاءها ذات يد عليا وأوامر سلطوية على جارتها الضعيفة المنهكة، كل ذلك يحدث بمباركة النخب السياسية، والقيادة العسكرية، وأصحاب القرار، الذين لم يعودوا يملكون شيئًا يُذكر، على مستوى تحقيق المأمول منهم، أو تغيير مسار الوضع التائه، الباحث عن جمهورية صارت غير محددة الملامح، موزعة هنا وهناك، بين أهواء في الجنوب، وزيغ في الشمال.

خلال ما مضى من أيام، بعيد أحداث عدن، التي تمردت فيها قوات المجلس الانتقالي على الحكومة الشرعية، وحققت هدفًا من أهداف الدولة الأخرى في تحالف دعم الشرعية، تابعت الكثير من ردود الأفعال، كانت الحكومة اليمنية خجولة للغاية في ردات فعلها، حتى كأن ما حدث في عدن، كان في دولة أخرى بالقرب من المحيط الهادي، كذلك السعودية أيضًا، لم تكن واضحة في ردها، واكتفى نائب وزير الدفاع بتغريدة نشرها بعد الأحداث بساعات، ثم أعقبها بتغريدة دعا فيها للحوار والجلوس على طاولة واحدة في جدة، كذلك بالنسبة للسعودية كأن ما جرى لا يعنيها، وذلك ما يعبر عن البون الشاسع في السياسة السعودية المتهالكة، والتخبط الكبير الذي يصب في مصب الإمارات، الدولة الواضحة فيما تريد أن تحققه، وهي المستفيدة الأولى من انقلاب الحوثيين، وعاصفتي التحالف، وتمرد عدن، وهي أيضًا، من تُدير السياسة السعودية  في المنطقة، بوجه أو بآخر.

أما الخبراء السعوديون، والقارئون الجيدون لأحداث اليمن، فإنهم كانوا أكثر وضوحًا من دولتهم وقادتهم، إذ عبّروا عن خيبة أملهم مما آلت إليه الأوضاع في عدن، مؤكدين أن ذلك لا يخدم أهداف التحالف، ويقوده للتهاوي، في ظل استماتة دولة للانفراد بالسيطرة الميدانية على حساب أخرى، وأن السعودية هي الخاسر الأكبر، في ذات الوقت هلل المغردون الإماراتيون المقربون من سلطات بلادهم بما جرى، عازين ذلك لما أسموه قوة بلدهم، التي إذا قالت فعلت، في إشارة لتهديدات سابقة نشرها مستشار ولي عهد أبو ظبي، ورئيس شرطة دبي السابق، في تغريدتين لهما، مطلع أغسطس الجاري.

هكذا تبدو اليمن، موزعة بين فقه النخبة المثقفة، وأهواء السياسيين، هنا وهناك، ولا يدفع الثمن سوى المواطنون، الذين وجدوا أنفسهم كحال بلادهم، تائهين، دون عاصمة فعلية، تصدر منها القرارات المصيرية، ودون هوية جامعة، يجتمعون حولها، ويعيدون لدولتهم ألقها المصادر.. أما جيراننا فقد تسابقوا لتصفية حسابات بينية، ولمّا تشعبوا في أهدافهم اللا معلنة، فُضحوا شرّ فضيحة، إذ لم يحققوا انتصارًا يُذكر، ولم يُقدّموا لليمن شيئًا يشفع لهم في المستقبل، تهاووا، وتهاوت معهم دولتنا التي سقيناها بدمائنا، منذ أربعينيات القرن المنصرم...
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر