الألم واحد


محمد علي محروس

 لم نكن بحاجة لمثل هذه التصرفات التي لا تعبر عن قيم ومبادئ وأعراف اليمنيين بتنوع أعراقهم ومناطقهم ومذاهبهم.. أجزم أن اليمنيين جميعًا تألموا لما جرى في عدن صبيحة الخميس الفائت، عدا المعتوهين من مرضى النفوس، ذوي الارتباطات الخارجة عن الإطار اليمني الجامع، وهم ذاتهم من قادوا عملية التحريض الحاقدة تجاه أبناء محافظات بعينها، وعملوا على التأجيج وإثارة موجة غضب غير مبررة، بأعذار ومبررات واهية، لا يستسيغها عقل بشري بقوامه الكامل!

عدن أيضًا، تنأى بنفسها عن التصرفات الأحادية، المدفوعة بشحنات غير مسبوقة من المناطقية المقيتة، تغذيها أطرافٌ تتلذذ بإغراق عدن في الفوضى من وقت لآخر، حتى تمكنت من سرقة ابتسامة ثغر اليمن، والعمل على تلاشيها منذ أن استطاعت إعلان نفسها أول محافظة يمنية تتحرر من الجائحة الحوثية، وقدمت كيانها كواحة غنّاء، بفنائها الواسع، مستقبلةً اليمنيين باختلاف توجهاتهم ومشاربهم، وتوّج ذلك بإعلانها عاصمةً مؤقتة للبلاد، وأتبع القرار بقرارات قضت بممارسة الحكومة ومؤسساتها مهامهم منها؛ لتصبح موئلًا لليمنيين أجمع، وهو ما لا يحلو لدول وكيانات بعينها!

ليس من مصلحة أصحاب المعركة الواحدة أن يتوهوا في عراكات بينية غير مجدية، حتى وإن كان لطرف مطالبه عند الآخر، فالهدف اليوم يقتضي تصويب الطاقات نحو من عمل على انهيار البلاد وتشتيت أبنائها، وتحويلها إلى مستنقع للفوضى العارمة على كافة المستويات، وإحياء النعرات الميتة؛ حتى يخلو ويحلو له الجو ليستمر مدة زمنية كبيرة، وهو عاملٌ يراهن عليه الحوثيون كثيرًا لإطالة أمد الصراع في البلاد؛ حتى يستمروا في لعبة إحياء وإذكاء أوجه الحرب، بتخطيط وتنسيق مسبق مع قوى ترى أن اليمن واليمنيين لا يستحقون العيش في كرامة وأمان!

إن الانسياق وراء دعوات التشظي والتفرقة، دون بصيرة أو برهان، يمثل خيانة وخذلانًا لدماء عشرات آلاف الشهداء، ونكرانًا لتضحيات مئات آلاف الجرحى، الذين ساهموا بأغلى ما يملكون؛ حتى تبقى هذه الأرض واحدة متماسكة، لافظة للمشاريع التقزيمية، ونائيةً بنفسها عن الأنا، التي لا تفكر سوى في مصالح ضيقة، دونًا عن الأرض والإنسان اليمني، وما أكثر من يؤدي الدور اليوم، دون إدارك أو وعي للعواقب الوخيمة التي سنجنيها من وراء ذلك، وما جرى ويجري في عدن إلا واحدة من نتائج سوء الفهم وانعدام الوعي والإدراك لمغبة الانجرار لمثل هذه الممارسات التقسيمية الشنعاء.

لا يصنع الغضب دولًا، ولا تعبّر ردّات الفعل الغير مدروسة عن رجال دولة، ولا يمكن أن يراهن البسطاء من السكان على من يتلذذ في أذية الأبرياء في أن يحقق له حلمًا أو يعيد له حقًا، لذا يجب أن نتشكل من جديد، ونعمل على ترتيب الأوراق، لمواجهة المشروع الكيدي المصطنع، والتكوّن، وإعادة التمركز، لإنهاء محنة الجماعة التي انقضّت على البلاد، ونفثت سمومها في جهاتها الأربع، واستلذت بأنين وآلام ومعاناة اليمنيين، وتاجرت بها، أمام مرأى ومسمع فطاحلة حقوق الإنسان، وأصحاب الحق التائهين في خزعبلات المواجهات البينية المصطنعة الهادفة لتقويض مساعي تكوين لبنة اليمن الاتحادي، الذي نراهن عليه، لإنهاء عقود البؤس والمظلومية.

ما أحوجنا إلى رص الصفوف، ومعانقة بعضنا البعض، ومد أيادينا تحت لافتة اللحمة والأخوة، بعيدًا عمن يحاولون عبثًا تتويهنا عن الهدف الأوحد، الهدف الذي إن حدنا عنه تاهت البلاد، وتمكن المتمردون منها ومن مصيرنا، وأمعنوا في العبث أكثر مما يفعلوه بنا اليوم.

لا ولن نكون يومًا ما مناطقيين، أو مذهبيين، أو سلاليين، أو عديمي ضمير، أو متنكرين لمبادئنا وقيمنا وأعرافنا اليمنية، لن نكون إلا في خندق اليمن الكبير، الكبير ببسالة رجاله، وبطولات شبابه، في كافة ربوعه، وسنستمر حتمًا حتى تضيء القناديل عدن مجددًا، ومنها سيرفرف العلم الاتحادي، ليغمر تراب اليمن حبًا وسلامًا، رغم أنف الحاقدين.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر