بعد فترة قصيرة من بدء الحرب الحوثية على تعز، التقيت بالصدفة طبيبا يعمل في مستشفى اليمن الدولي، وقادنا حديثنا العفوي إلى كيفية تعامل أطباء المشفى مع جرحى الحوثيين، والأحاديث التي تدور بينهم داخل غرف العمليات.
 
"تحرير القدس يبدأ بتحرير مدينة تعز" قالها مقاتل حوثي لم يبلغ سن الرشد للطبيب عندما سأله عن الجدوى من قصف المدينة وقتل المدنيين. كان واثقا وهو يقولها وموقنا بصحتها، أما الطبيب فأدرك أنه يخاطب كتلة عقائدية صلبة، تم تصنيعها بإتقان فلم تعد الحجة مقنعة، وليس هناك مجال للدليل والبرهان.
 
الميليشيات الشيعية المرتبطة بطهران، تتعاطى مع القضية الفلسطينية، كجسر قصير يسهل وصولها إلى مصالحها الكبيرة، ولم يعد الطريق إلى القدس سوى طريق معبّد بالخرائب، تتساقط عنده عواصم، وتذبح رقاب، وتهدم منازل على ساكنيها، وتهجّر ألوف مؤلفة هربا من "طريق القدس الإيراني".
 
عندما انتصرت الثورة في إيران، قال الخميني إن الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء، وخاض حربا امتدت لثمان سنوات مع العرق، وعندما سقطت صنعاء قال علي ولايتي مستشار الخامنئي إن طريق تحرير القدس يمر من اليمن، أما حسن نصر الله فقال إن الطريق إلى القدس يمر عبر الزبداني والقلمون والقصير في سوريا، والحقيقة أن جميعهم ضلوا طريق القدس عمدا، لأن القدس لم تكن بالنسبة لهم قضية وإنما حصان طروادة!
 
ميليشيا الحوثي ليست بعيدة عن طريق القدس الذي رسمته طهران، فهي تجيد تسويق شعارات الموت لليهود، بينما الموت القاني يحصد اليمنيين، أما اليهود فنصيبهم من الرعاية الحوثية، كان كفيلا بأن يمنحهم حياة جديدة في تل أبيب التي وصلوها سالمين بعد صفقة حوثية أمريكية. وحده شعار الموت ظل محكما طوقه حول عنق اليمنيين.
 
وشعار الموت لليهود، استورده الحوثيون من طهران، العاصمة الإيرانية التي تحفل بوجود معابد لليهود كأقلية دينية، بينما لا يوجد فيها مسجد واحد للسنة، مع أن عددهم يفوق عدد اليهود، وتلك مقاربة تعطينا مؤشرا حول العدو الحقيقي لإيران وميليشياتها المنتشرة في العالم العربي.
 
ماذا سيفعل الحوثيون لو قدّر لهم فعلا أن يصلوا إلى القدس؟ الجواب البديهي أنهم لن يصلوا أبدا لأن القدس سلعة يتاجر بها الحوثيون لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، لكن من باب الافتراض، فإن الحوثيين إذا وصلوا القدس، سيشرعون فورا في تحويث المدينة، وسيفرضون خطباء موالين لهم بالقوة، ولن يسمحوا لدور الحديث والقرآن بمواصلة عملها، لأنها تخرّج إرهابيين، وبدلا من أن يحتج المقدسيون على تهويد المدينة، سيحتجون على تحويث المدينة، وسيجدون أمامهم آلة قمع رهيبة، وزينبيات يلهبن بعصيهن أجساد المرابطات، وسيكون المشهد ساخرا وأنت تشاهد الحوثيين يفجّرون منازل المقدسيين، ثم يؤدون الصرخة على وقع التراب المتطاير وذرات الغبار التي تغطي كاميرا التصوير.
 
ما الفرق بين القدس وتعز، وبين سكان المدينتين؟ تكتسب القدس أهمية دينية خاصة في قلوب المسلمين جميعا كونها القبلة الأولى وثالث الحرمين وهذه الأهمية الدينية تفتقر إليها تعز مما يجعلها بعيدة عن تعاطف المؤمنين بحدود سايكس_بيكو، لكن سكانها كباقي المسلمين في أي مدينة؛ فلا فرق بين سكان تعز وسكان القدس من منظور إسلامي إلا بالتقوى، ومن هنا يمكن القول أن الحوثيين الذين يعمدون إلى إبادة مدينة تعز وساكنيها، لن يجدوا حرجا في إبادة القدس وساكنيها، لنفس الأسباب. ومن يسفك الدماء في اليمن أو سوريا أو العراق لا يمكن أن يؤتمن على دماء أبناء فلسطين!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر