انتقام مسبق..


نور ناجي

  من الصعب تخيل مشاعر إنسان أدرك تمام الإدراك اقترابه من لحظة النهاية!..

قضي الأمر بالنسبة "لمجاهد قشيرة"، ولم تكن أيام أو ساعات أضافية ستغير من حقيقة ما سيقع، فقد كان قبل فترة وجيزة حليف للحوثي ومشارك لمليشياته في جرائمهم، ويدرك أكثر من غيره شناعة انتقامهم وعدم تساهلهم مع أي محاولة تمرد قد تغري غيره بالقيام بها..
 
أدرك الرجل أنه لم يعد يملك حق الرحمة أو المغفرة، فقرر أخذ حق دمه مقدماً، "ما الداعي لتأخير الثأر حين يتوجب حق الموت؟!"، ربما كان ذلك التساؤل هو ما منحه شجاعة لا يمكن لأحد إنكارها وجعلته يقرر  في أخر لحظات حياته أن يعلي من شأن موته، وينتقي ما يجده مناسباً أو متاحاً كثمن له..
 
يخطىء من يظن أن نشر الفيديو الخاص بسحل جسد "مجاهد قشيرة" كان هدف مقصود من قبل الميليشيا بغية إثارة رعب أعدائهم، أو من أجل المزيد من الخضوع والخوف في قلوب ساكني المناطق الواقعه تحت سيطرتهم، بالطبع كان الخوف سلاح الميليشيا الأقوى عبر سنين الحرب، السلاح الذي لم يكن هو مبتكره الأول، فقد أسرف الإنسان منذ خطواته الأولى في تذوق الخوف حتى أدرك مدى خطورته وإبعاده وفوائده، وصار بإمكانه تصنيف الخوف بالسلاح الأخطر الذي تمكن البشر من صنعه على الإطلاق..
 
لكن الوقت لك يكن مناسبا لاستخدام الميليشيا مثل ذلك السلاح، خاصة مع محاولاتها الحثيثة إظهار عصابتها أمام العالم كدولة تبسط نفوذها وأمنها على مناطق سيطرتها، فكما أخفقت الميليشيا في تلفيق محاولة هروب الرئيس السابق وقتله بتلك الطريقة الوحشية، خرج الفيديو الأخير بصدمة لم يكونوا بحاجة إليها..
 
أتوقع أن من قام بنشر ذلك المقطع الذي تجاوز  الأعراف والتقاليد والقيم الإنسانية، حصل على الكثير من التأنيب لقيامه بذلك، فليس من المفترض تسليط الضوء على الغضب الذي نال من الميليشيا تجاه جثة فارقت الحياة، غضب جعل المواطن الذي اعتاد على همجيتهم يتساءل، بعيداً عن العدالة والجزاء الإلهي الذي لابد وأن ينال أي حليف للحوثي :"لماذا مجاهد قشيرة بالذات، بينما تم اغتيال الكثير من الحلفاء والتخلص منهم بمنتهى البساطة؟!"..
 
هل كان تجرأ "قشيرة" على مواجهة الموت هو من أشعل جنونهم؟!، أم أن فكرة انتقامه المسبقة كانت هي من أوجعهم؟!..
 
كثيرة هي الثقافات القديمة التي أسالت الدماء إرضاء للالهة وقدمت القرابين إظهاراً للتفاني والانقياد للقادة والزعماء، بعثها الحوثي مجدداً مستخدماً الغلاف الديني الزائف والجهل لتلبية حاجته لوقود حي من البسطاء الباحثين عن الجنة..

فكان الموت وشجاعة مواجهته الصفة التي مازالت جماعة الحوثي تتباهى بها، الصقوه في شعاراتهم، وزاملهم، محاضراتهم، روضوه بين أيديهم في أعين أحبائهم قبل أعدائهم، تعاملوا معه كوجبة بسيطة ورفعوا من تقدم إليه إلى مراتب الاضحيات المباركة، فكيف لأحد أن يضاهيهم بتلك الأضحية..
 
ليس ذلك وحسب، كان تعدي قشيرة على التفكير بأخذ حقه المبكر منافسة في السعي للانتقام الذي كان ولازال أساس وجود الحوثي والفرق المشابهة له فكرياً، الفكرة التي توارثتها تلك الجماعات وأمدتها بالحياة عبر مئات السنين، فلا يجوز لبضع رصاصات من يد رجل موشك على الموت أن تنافسهم أو تنتزعه منهم..
 
تخسر الميليشيا الكثير، وتدرك ذلك جيداً..
 
ربما كانت اضحياتها البشرية أقل خسائرها ثمناً، فالكثير من الجرائم تنتظر سداد حسابها، لعل الإمعان في ارتكاب المجازر وسيلة الميليشيا في تأجيل شبح ثأر متأخر، حين يقف اليمني أمام مقابر أبنائه التي فتحت هباء بينما تشبث أرباب والهة ميليشيا الموت بالحياة بطريقة مريبة ومخالفة لما دعوا له؟!..
 
بإمكانك مواجهة الموت بالقليل من الشجاعة، لكن استمرارك في الحياة بعد كمية الخوف الذي أجبرت على تجرعه سيحتاج لكثير من غفران ليس من السهل أو العدالة منحه!..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر