لماذا مأرب؟


محمد علي محروس

 لا يتنكر جمهوري لمأرب، ولا يمني ينتمي للأصالة اليمنية؛ فهذه المحافظة أخذت على عاتقها الهم اليمني الكبير، وعادت في فترة زمنية قياسية، لتلعب الدور الذي لعبته قبل آلاف السنين، كعاصمة للمملكة السبئية وملكتها بلقيس، وهذا ليس بجديد على مأرب، إحدى أهم محافظات البلاد، وواجهتها الشرعية منذ انقلاب المتمردين الحوثيين.

يكفي مأرب أنها حافظت على مؤسساتها كلها بوتيرة عمل واحدة، ويكفيها أنها قدمت نموذجًا مثاليًا بين المكونات السياسية، التي أجمعت على واحدية المصير، ووجوب مواجهة الحوثيين بعيدًا عن أي انتماءات حزبية، ولا اعتبار إلا لمأرب، وللجمهورية التي كانت على وشك السقوط في وحل الإماميين الجدد، الذين اتجهوا صوب مأرب، باعتبارها محور ارتكاز اقتصادي، وذات ثقل قبلي، وعمق أصيل في الكيان اليمني الواحد، ولكن الفشل كان حليفهم؛ إذ تصدى لهم المأربيون جميعًا، تعالَوا على أنفسهم، وصوّبوا جهودهم لصد المعتدي ودحره؛ لتكون مأرب واحةً يمنية غنّاء، تستقبل اليمنيين جميعًا، وتكفل لهم الأمن والاستقرار بشكل عصري فريد.

نموذج المقاومة المأربية الذي أنشأه وتصدره قائد المنطقة العسكرية الثالثة الصنديد الراحل عبدالرب الشدادي، كان نواة لجيش وطني، كبر وترعرع، حتى بات مؤسسة تمثل الحكومة الشرعية، كما أنه أُعد بعناية ليكون وطنيًا خالصًا، ودليل ذلك أن قادته تقدموا الصفوف، وراهنوا على أفرادهم بإمكانياتهم المحدودة، حتى وصلوا إلى تخوم نهم، وحرروا مناطق مهمة كانت تحت سيطرة الحوثيين، إضافة إلى استشهاد الكثيرين منهم، متوجين مسيرتهم النضالية بتقديم أنفس ما يملكون، وعلى رأسهم الشدادي نفسه.

النموذج المأربي المتكامل، اجتماعيًا، وإداريًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، وعسكريًا، لم يرق لكثيرين من موتى الضمير، ممن كانوا وما زالوا يعتمدون على الاسترزاق، ولا يمثلون إلا أنفسهم، من خلال تبعيتهم وأفكارهم التي يحاولون نفثها لتسميم مجتمعاتنا، وصناعة التمزق والتشرذم المجتمعي، وهي ذات الآلة الحوثية القهرية، التي استخدمتها في اقتحامها للمدن من صنعاء إلى عدن...

المحاولات المضنية التي تعمل على الإساءة لعاصمة إقليم سبأ، مآلها الموت على قارعة الخيانة، ولا تعامل معها إلا بالحزم الشديد، وهذا ما أثبته الأمن المأربي، وتشكيلات الجيش هناك، حين حاول المندسون، وبائعو ضمائرهم، التشويه بمأرب والنيل من كيانها المثالي، لتقدم مأرب نفسها لليمنيين أنها ما زالت على العهد، ولن تحيد عن درب الجمهورية، وأنها ستظل رهانهم الكبير إلى جانب تعز وشبوة وسقطرى وعدن، ومحافظات أخرى، تؤكد مع كل حدث أنها يمنية خالصة، لا مكان فيها للمتلونين ولا لأصحاب المصالح الضيقة، وأنها ستبقى على عهد الوحدة اليمنية، التي وإن شابها الكثير من الأخطاء، إلا إنها تظل ممثلة للقرار الشعبي، وعنصرًا جوهريًا في سبيل دحر العصابة الحوثية الإرهابية.

يكفينا من مأرب أنها احتضنت نحو ثلاثة ملايين يمني، لجئوا إليها من كافة المحافظات، وقفز تعدادها من ثلاثمائة ألف نسمة إلى ثلاثة مليون نسمة، في أربع سنوات فقط، إضافة للتوسع العمراني، والطفرة المدنية، التي واكبت كل هذه المتغيرات.

يكفينا أنها كانت وما زالت مصدر أمان، وموئل استقرار، من بين محافظات البلاد المحررة، وواجهت كل محاولات النيل منها بقوة،  نتيجة للوحدة والتلاحم الداخلي، وتفاهمات الأحزاب والقبائل، واتفاقهم على بقاء المصلحة الداخلية أولوية مقدسة لا تمسها الخلافات ولا تقترب منها التباينات، وهذا النجاح اليوم، ترجمة عملية للجهود الجبارة التي بُذلت مدى السنوات الماضية.

خروجها من مأزق الفتنة المفتعلة من قبل شرذمة متمردة منذ أيام، وتعامل الأجهزة المعنية مع الحادثة بشكل احترافي، يؤكد أننا أمام قيادة واعية، تدرك كل ما تقوم به، ومأرب ذاتها تتجهز لاحتضان الدورة القادمة لمجلس النواب، وهي أيضًا ذات علامة إيجابية عالية في نظر المجتمع الدولي، على مستوى الاستقرار والأمن الداخلي، وحتمًا كل محاولات النيل منها لا ولن يكون مصيرها سوى الفشل.
مأرب الكبيرة، العتيدة، بأنفاس سبأ، وشهامة قبائلها، وببسالة رجالها الميامين، لن ترى سوءًا، ولن يُكتب لأعدائها غير الذل والهوان.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر