مركز الثقب العربي


منذر فؤاد

قبل فترة ليست بالبعيدة، أثار أكاديمي إماراتي الجدل، بعد تغريدات على حسابه في تويتر، قال فيها أن الإمارات أصبحت "مركز الثقل العربي" بسبب جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه أمّتها، وهي فعلا مسؤوليات ثقيلة وخدمات جليلة تقدمها الإمارات ليس للأمة ولكن لأعدائها.
 
عندما أنجبت جدتي مولودها الأول، لم تكن دولة الإمارات قد ولدت بعد، وهذا ما يفسّر حالة الهوس بالتاريخ والهوية لدى الإعلام والوسط الأكاديمي في الإمارات. أحد الباحثين الإماراتيين قال إن اللهجة الإماراتية كانت لغة العرب قبل الإسلام، وإذا استبعدنا مسألة أن الإمارات فيها لهجات متعددة، فكيف لدولة تعود لهجتها إلى ألف وخمسمائة سنة أن تشتري حقوق أسماء إنجليزية وفرنسية لتطلقها على مؤسساتها الثقافية والإعلامية؟
 
هذا مثال بسيط لدولة ناشئة، تحاول تزييف الوعي ونشر الخرافات لإيجاد عمق تاريخي لها، ولايتوقف الأمر عند الهوس التاريخي فقط، فالهوس الجغرافي وحلم التمدد والسيطرة هو الأخطر، ونتيجته كارثية إلى أقصى ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
 
الإمارات في عهد عيال زايد، أضحت ثقبا كبيرا يبتلع كل ما من شأنه النهوض بالأمة والقضاء على الاستبداد، ولاتوجد دولة إسلامية وعربية إلا وتضررت من الدور الإماراتي، الذي أصبح يضاهي الدور الغربي إن لم يكن قد تفوق عليه، في التآمر وبث الفوضى وسفك الدم.
 
ماذا صنعت الإمارات في أوطاننا؟ هل حاربت الإرهاب أم حاربت الإسلام؟ هل دعمت الشعوب وساندت تطلعاتها أم ساندت الأنظمة في قمع الشعوب وتطلعاتها؟ هل هناك بلد ينعم بالاستقرار بعد تدخل الإمارات فيه؟
 
لقد حوّل عيال زايد المنطقة العربية، إلى منطقة بركانية تموج بالصراعات، وهذا البركان لن يكون بمقدور أبوظبي أن تسيطر عليه إذا ما وصل إليها، وحركة التاريخ في نشوء وسقوط الأنظمة والدول تخبرنا أن الثبات لامكان له في هذا الجانب.
 
عندما تأسست دولة الإمارات، كانت الدولة الوليدة تعاني من فجوة سكانية، ولم تكن تملك ثقلا سكانيا يسد الفراغ الجغرافي، وكان من الحلول التي اقترحها المفكر الكويتي عبدالله النفيسي للمسؤولين الإمارتيين حينها ضرورة سد هذه الفجوة باستقدام سكان يمنيين باعتبارهم عربا بدلا عن الجنسيات الأخرى، لكن ما حدث بعد ثلاثة عقود من نصيحة النفيسي، أن الإمارات حلت مشكلتها السكانية باستقدام الجنسيات المتعددة، بما يجعلها تنتفخ وتسعى للتمدد في الجزر والموانئ اليمنية، فضلا عن دورها الوظيفي في سوريا وليبيا ومصر وتونس وموريتانيا.
 
وحتى فلسطين لم تسلم من التآمر الإماراتي، الذي كان واضحا في العدوان على غزة، وفي تسريب عقارات الفلسطينيين في القدس، لينتهي بها المطاف في أيدي الصهاينة، وفي التقارب مع الكيان على حساب الحقوق الفلسطينية والثوابت الدينية والوطنية.
 
والإمارات التي أنشأت وزارة السعادة، حوّلت حياة الملايين إلى بؤس بدعمها للأسد في سوريا وحفتر في ليبيا والسيسي في مصر والحوثيين وصالح في اليمن، والحشد الشيعي في العراق، أما داخل الإمارات فقتلت السعادة المزعومة الناشطة علياء عبد النور داخل محبسها ومنعت عنها العلاج!
 
والإمارات التي أنشأت وزارة للتسامح، وسمحت بممارسة النشاط التبشيري منذ عقود مضت، وسمحت بإنشاء المعابد الوثنية الهندوسية والبوذية في أراضيها، ونصّبت تمثال لبوذا في عاصمتها، واستقبلت بابا النصارى استقبال الفاتحين، واحتضنت مؤتمرا يطعن في أهل السنة، وسمحت لمنابرها بالانتقاص من علماء وشرائع الإسلام، وسمحت للدعارة أن تأخذ مجراها لتغزو مدينة دبي، لم يتسع تسامحها لملايين المسلمين ليمارسوا شعائرهم كما ينبغي فضلا عن تصنيف أكبر جماعة إسلامية ضمن خانة الإرهاب، ولم يتسع تسامحها لأي مواطن ينبس بكلمة ضد حصار مواطني قطر ومن يفعل ذلك يلقى عقوبة السجن، ولم يتسع تسامحها لآلاف المعتقلين والمخفيين قسرا في سجونها الداخلية والخارجية، السرية منها والعلنية.
 
لقد جعل الدور التخريبي الذي يضطلع به عيال زايد، من الإمارات مركزا للثقب العربي وليس الثقل العربي، فالأعمال التخريبية والقتل والتدمير والإرهاب لاتصنع ثقلا وإنما ثقبا في الجسد العربي المتهالك، والذاكرة الإنسانية التي توثق جرائم عيال زايد التي تتجاوز الحدود الجغرافية وقبلها الأخلاقية والإنسانية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر