حين تنتحر أمجاد الحروب


منصور الأصبحي

 الحديث المفرط، بنوع من التغني، عن صاحب "الطلقة الأولى" في وجه المليشيا الانقلابية السلالية الحوثية بمدينة تعز، عدى عن كونه حديثا مستهلكا، لاعتبارات منها كيدية وأخرى ابتزازية، فهو استجرار لبطولات لا معنى لها اليوم في ظل عدم بلوغ التحرير الناجز، وبقاء المدينة تحت رحمة حصار حوثي متواصل منذ أربع سنوات.
 
إنه بمعنى آخر؛ حديث صادم، قادم من أعماق أنانية تكلست عن أي تطور ميداني، تكررت فيه المواجهات، وتواصلت فيه التضحيات بلا حصر. وهذا يلغي انحصار نموذجية "الطلقة الأولى" على فلان أو علان، ذلك أن المعركة لا تزال على أشدها حتى هذه اللحظة، يخوضها الجيش الوطني المرابط في متاريس الدفاع عن الكرامة، لاستحقاق الحسم وتحرير تعز من مليشيا الانقلاب السلالي الحوثي.
 
والمواقف الاستثنائية في مقاومة الانقلاب السلالي، ليست بحاجة لتسويقها كنموذج "الطلقة الأولى"، لأنها تتكرر في صدر القوات الانقلابية المعادية بدون أي ذكر، أو ذكريات لن يذكرها التاريخ، فضلا عن تخليدها في صفحاته. إذ لم تتكرر دون أي مَنٍّ أو تمنّ أو أمنيات مفرغة من مضامين التكاملية. لأن الحرب من أساسها تكاملية في كل جبهات تعز وغيرها. وإذا لم يكن لهذا التكامل المُقاوِم قيمة واقعية، تصبح الحرب أشبه بخرافة، ويصبح المنتصر خَسران، كمن يبحث عن مجد شخصي من حرب بدون أمجاد..!!
 
في المقابل تصبح أمجاده الأزلية أحلاماً تتلاشى، وقد تتآكل نتيجة عوامل التعرية؛ أنانية، وتحريضاً إعلامياً جاوز المنطق "المُقاوِم". ومثلها، تصبح جل مناوشاته الحربية، الآنية، كجزء من استعراضات إعلامية لا أمجاد لها، إلاّ بتجردها من أدواتها المعتَلّة الآخر.
 
وهذه تحتاج لها وقفة مع الموقف الأخلاقي؛ ومع الموقف العسكري كموقف جامع في إطار تراتبي؛ ومع تعز ككل، بمسئولية جادة بعيداً عن رُهاب الواقع "التعزّي" المشبع بالتحريضات الإعلامية المضادة، ليتوازن الموقف مع طبيعة المهمة الموكلة إلى الجميع، بدون استثناء، أو استغناء أحد عن أحد بأي موقف، في ذات الإطار العسكري، ناهيك عمن يستقوي عليه بمليشيات خارجة عن القانون، فقط لمجرد الاستقواء، والمبني على استقواءات، منها سياسية "ثأرية". مع العلم أنها أكثر من يعلم: من تكون؟ ومن أين جاءت؟ وما تمارسه وتتصوره وتتصرف به وتؤمن به، تلك الخارجة عن القانون، ليبلع طرف عسكري ما، طُعم السياسي، وهو يعلم أين، ولماذا يقف هنالك، ويعلم نتائجه؟
 
أن تركن قوة عسكرية (بقوام لواء أو حتى كتيبة أو سرية أو فصيلة أو...) إلى فصيل هو الأخر يهتزّ بسفسطائيته، فقد سلّمت له زمامها، وتاهت في متاهاته المتعرجة. هنا تفقده خارطة طريقه المؤدي إلى الجبهة الموضوعية، والمتمثلة بوحدة الصف العسكري، كقوة مادية ومعنوية؛ هي من تشكّل رأس مال حقيقي لأي مجتمع يبحث بشغف عن مشروع سيادته وعن قيادته وعن ريادته، بانتصاره.
 
 وهذا باعتقادي حزمته "تعز"، وحسمت أمره، وامتلكته واقعاً، تمثّل بأكثر من ثلاثين ألف رقم عسكري، ضمن قوام جيش وطني حظي بالممكن من تجهيزاته، فنياً ومالياً، وغيرها من الأولويات الأساسية. وربما هذا الذي لم تكن تحلم به "تعز"، الأكثف سكاناً والأبرز تكنوقراطيا؛ لكنها عانت أقسى حالات الإقصاء والتهميش- كمعزولة- منذ أكثر من مائة عام. حتى حانت فرصتها، فمُنحت استحقاقها عسكرياً، كان يفترض الاحتفاء به واعتباره مكسباً جوهرياً مرموقاً، وتُخصص له مناسبة احتفائية سنوية كأنموذج سيحتذى به.
 
 إلا أن هذا الإنجاز التعزّي، مع الأسف، لم يَرُق للبعض، فاعتبروه جريمةً، وصنفوه كتهمة، وكبوابة للابتزاز، انتقاما من شريك ميداني آخر!! فحاولوا شيطنة هذا الإنجاز (الجيش الوطني)، لإسقاطه من الداخل تحت ذرائع شتى، منها عاطفية، غير مدروسة العواقب. متناسيين- أو متجاهلين- أنها جريمة يعاقب عليها القانون. وحين يكون التحريض من عسكريين، فالأمر أشد، بموجب ما نصت عليه قوانين العقوبات العسكرية، السارية وفقا للدستور اليمني الحالي.
 
ولقد كان صادما، أن يحدث مثل هذا في تعز، المدينة التي اشتهرت بأبنائها الأكثر مدنية وديمقراطية، ثم تجد فيها من يتعاملون بتلك الطريقة باسم حرية الإعلام المتاحة لهم أكثر من غيرهم في بقية المناطق المحررة، والتي بدلا من أن يتعاملوا معها بمسئولية، ذهبوا لاستغلالها في إثارة الضجيج، تهريجًا وترويجًا وتأجيجًا لنعرات وتقسيمات داخلية ضيقة، باتت مملّة، وكل أفراد الجيش الوطني باتوا أكثر من يسخر منها، بل ويتعاملون معها باستخفاف، لا يختلف عن استخفافهم بشائعات الأعداء الانقلابيين أنفسهم.
 
في الأخير، تبقى شماعة صاحب "الطلقة الأولى"، كعقدة نقص قتالية، يعلّق عليها الفراغيون دعاياتهم وشائعاتهم وتحريضاتهم المهترئة ضد جيش تعز الوطني، الذي أثبت- وما زال- أنه أكثر تحرراً من هزائمهم النفسية المموّهة والتائهة؛ سواء بتضحياته التي قدمها من شهداء وجرحى وأسرى ومفقودين..؛ أم بمواصلة أفراده الصمود واستبسالهم في مواقعهم، حتى الآن، دون أن تتوقف طلقاتهم وقذائفهم وهجماتهم ضد العدو السلالي الانقلابي، برغم كل ذلك الضّخّ الإعلامي الموجّه ضدهم، حقداً وتحريضًا..!!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر