غرامية الحاكم والكرسي


منذر فؤاد

 الكرسي والحاكم العربي، ثنائية غرامية قد تبدو عصية على التفسير المنطقي، لكنها سهلة التفسير من وجهة نظر الحاكم، الذي يعتبرها ديمقراطية خالصة، السلطة فيها للحاكم لا الشعب، كونه يرى في شخصه الشعب والدولة!
 
للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي تفسيراته الغريبة والمضحكة للظواهر والمصطلحات، فهو يرى أن الديمقراطية هي في الأصل مأخوذة من مصطلح ديمو كراسي، بمعنى"دهماء على الكراسي" والدهماء هم عامة الناس، وهو ما يتجسد من خلال الهيئات الشعبية التي شكلها العقيد منتصف السبعينات وسلمها السلطة شكليا، ولذلك نجد العقيد يصرخ في وجه الثورة ضد نظامه بالقول أنه لا يملك منصب، وإلا لكان لوّح بالاستقالة في وجوههم.
 
اعتمادا على منطق القذافي الجنوني، فإن الديموكراسية يمكن تفسيرها على أنها تعني ديمومة على الكراسي، ومن هذا التفسير يمكن فهم علاقة الزعيم العربي بكرسي السلطة، وتشبثه بالحكم حتى يسقطه الشعب أو يأذن الله لعزرائيل بأخذ روحه، وفي كليهما إزاحة لكابوس ظل متسلطا في واقع ومخيلة المواطن.
 
ينبع استبداد الحاكم العربي من تعامله مع كرسي السلطة باعتباره هبة إلهية لا يجوز لأحد منازعته فيها، أو حتى مجرد محاسبته. كما يعتقد أن مقدرات الدولة وقوتها إنما سخّرت لتحقيق رغبته ونزواته، وحتى الشعب لا يراه إلا مجموعة شخوص يجب عليها الطاعة والإذعان لكل ما يقوله أو يقرره، ويصل به الأمر إلى التعالي والتفاخر في سوء أفعاله كما لو أنها منجزات فريدة.
 
في مقابلة للرئيس المخلوع صالح على قناة الجزيرة، تحدث صالح بلغة مشوبة بالسخرية ولغة جسد متفاخرة، عن أنه يمتلك جيشا ليس له مهام سوى العروض العسكرية وإخماد أي تمرد عليه من أجل البقاء على كرسي السلطة، ثم خبط الطاولة التي أمامه بقلمه وتبسّم مزهوا، بينما كان المذيع الذي أجرى الحوار في حالة ذهول واستغراب شديدين.
 
لقد أفرزت "الديموكراسية العربية" حالة تسلط فردية شملت وظائف الدولة، فكما أن الرئيس لا ينازعه أحد في سلطة الحكم، فإن نفس الأمر ينطبق على حالات كثيرة من أتباعه في سلم وظائف الدولة، ومما زاد في تعزيز هذا التسلط أن المسؤولين الأتباع يأخذون قدوتهم في ذلك من الزعيم الملهم، وتخليهم عن الوظيفة يعني ضمنيا اقتناعهم بمسألة التداول، التي لا يعترف بها الحاكم.
 
قد يكون من الصعب لمواطن أن يفسّر سر العلاقة الغرامية بين الإنسان والسلطة، لكن ليس صعبا أن يفسّر استمرار هذه العلاقة، إذا ما وضعنا في الحسبان أن الحاكم ليس إلا عبدا مطيعا للقوى الاستعمارية التي مكنته من السلطة والبقاء فيها، وشجعته على إعمال سطوته في إرهاب الناس، فهو يخشاها إن تخلت عنه، أكثر من خشيته من الشعب، وهو ييمم وجهه شطر القوى الاستعمارية ويدير وجهه عن الشعب ومطالبه المشروعة في الإصلاح.
 
كما أن حالة الصمت والإذعان والخوف التي سادت الشعوب العربية خلال العقود، الماضية، أدى إلى تمكين الحاكم من التمدد زمانيا ومكانيا، حتى أضحى حكمه قدر الله الذي لامفر منه، وساعد كهنة السلطان ممن يزعمون أنهم علماء في لعب دور محوري في تخدير الشعوب، وتأويل النصوص الشرعية بما يتوافق مع هوى الحاكم!
 
خلال الأعوام الماضية، نجحت الثورات العربية في إجبار ستة زعماء على التنحي عن كراسي السلطة، وبذلك تكون الشعوب قد حققت إنجازا كبيرا في كسر العلاقة الغرامية بين الحاكم والكرسي، وأثبتت قدرتها على تولي زمام المبادرة، وهي رسالة سيكون على بقية الأنظمة أن تفهمها قبل فوات الأوان، وطالما بقي في الوقت متسع.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر