عودة الربيع


منذر فؤاد

 عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، كان واضحا أنها رسمت صورة معبّرة للوحدة العربية، تجاوزت في محتواها حدود سايكس_بيكو التي مزقّت الخريطة الإسلامية لقرن من الزمن، وهذه الصورة أغضبت كثيرا القوى الغربية ودفعت بوكلائها في المنطقة إلى إطلاق ثورات دموية مضادة لسد الطريق أمام أي ثورة شعبية قادمة في أي بلد عربي.
 
في السنوات الأخيرة، سادت حالة من اليأس بين الجماهير العربية في اليمن وسوريا وليبيا ومصر وفلسطين، رافقها حدوث تحولات كبرى زادت من الشعور بالإحباط والضياع كصفقة القرن وتراجع الثورة السورية وتفشي الانهيار القيمي والعقائدي والسياسي في المجتمعات بدعم من أنظمة غربية وعربية، حتى ظن البعض أن ثورات الربيع العربي التي حملت في طياتها مشروعا وطنيا كانت نادرة تاريخية لن تتكرر.
 
وحتى الأنظمة العربية التي تبنت الثورات المضادة، ظنت أنها في مأمن من أي موجة ثورية بعدما استخدمت كافة أساليب القمع والترهيب والتآمر وشيطنة التطلعات المشروعة، لكن هذه الظنون أصبحت غير واقعية مع اندلاع ثورتين عربيتين أعادتا روح الأمل لملايين البائسين، الأولى في السودان ولا تزال مستمرة، والثانية في الجزائر وقد قطعت مسافة مهمة في تحقيق أهدافها باستقالة بوتفليقة.
 
اندلاع ثورتي السودان والجزائر ومجيئهما في ظروف بالغة التعقيد، يؤكد أن الشعوب العربية لن ترضخ لمعطيات الواقع المر، فلديها القدرة على اتخاذ قرارها الحر في المطالبة بحقوقها المشروعة في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وهي رسالة تحدٍ صريحة للدول التي تبنت خيار الثورة المضادة لوأد تطلعات الشعوب، وفي مقدمتها دولة الإمارات التي لعب حكّامها دورا دمويا في حملات الإرهاب والقمع والتضييق في جميع بلدان الثورات العربية.
 
اليوم يتجلى من جديد الصراع بين الثورة والثورة المضادة، بعد أن ظن أرباب الأخيرة أنهم نجحوا في وأد الربيع، فاستمرار الثورتين السودانية والجزائرية ورضوخ بوتفليقة لمطالب الشعب بالتنحي، دفع بمعسكر الثورة المضادة إلى تبني خيار التصعيد العسكري بشكل مفاجئ في ليبيا عبر وكيله خليفة حفتر، وهو التصعيد الذي حقق نجاحا في توحيد صفوف الكتائب الثورية المقاتلة، وأعاد الزخم الثوري والاصطفاف الشعبي في العاصمة طرابلس ومحيطها، دفاعا عن المعقل الأبرز لثورة فبراير المباركة، وهي معركة مفصلية لن يكون حسمها لصالح حفتر بتلك السهولة التي يروج لها إعلام الثورة المضادة، بل إن الواقع يظهر تكبد ميليشيات حفتر خسائر كبيرة قد تشكل بداية النهاية لمشروعه التخريبي.
 
ربيع هذا العام، يحل على الخريطة العربية، حاملا معه بشارات للشعوب وجرس إنذار للأنظمة، وربما من المنطقي أن نتحدث عن موجة ثانية من الربيع العربي لن تقتصر على الجزائر والسودان فحسب، وإنما ستشمل بلدان أخرى لازالت تمارس القمع والفساد والتضييق على الحريات.
 
هذه الشعوب لا يمكن إخضاعها طويلا بالحديد والنار، لأن هذه السياسة لم تعد مجدية أمام جيل نجح في كسر حاجز الخوف وواجه أعتى الأنظمة البوليسية بالسلمية تارة وبالرصاص تارة أخرى انطلاقا من حق الدفاع عن النفس، وبالتالي فإن الحل القمعي الذي تمارسه قوى الثورة المضادة، أشبه بمن ينفخ في جذوة النار لإطفائها فلا يزيدها إلا اشتعالا وتوهجا.
 
ستظل روح الثورة متقدة طالما بقي الظلم والاستبداد في سلم السلطة، وإن خبا بريق الثورة في اليمن أشرق في الجزائر، وإن حاولوا إطفائها في سوريا انبعثت في السودان، وإن حاصروها في مصر حاصرتهم في ليبيا. إنها الثورة عندما تتقد.. إنه الربيع عندما يعود!.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر