الكارثة القادمة!


سلمان الحميدي

مع الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد؛ لا أحد ينتبه لمشاكل قادمة، لانشغالنا بالوضع القائم أو محاولة استشفاف لمشاريع يمكن الاستفادة منها في المستقبل.

في مجمل أدب الحروب الحديثة، ستجد أن الأدباء يركزون على وصف الأطراف المبتورة، الآلام التي تخلفها الحرب وتحفرها في رؤوس أهالي الضحايا وأفئدتهم، عن الدمار الذي يعيق نهوض الإنسان وتهشيم الأرواح، وعن إنهاك النفوس.

أما التعليم فيكون أدبيًا في الهامش، كمدرسة مدمرة بطرف قرية لاتصل إليها الكاميرات الحديثة، ويفرح طلابها بسبب الإجازة الطويلة التي تمنحها إياهم الحرب، هكذا قرأت في إحدى الروايات الهندية، أما الاهتمام بالتعليم وربطه بالحرب فتجده في كتب الباحثين والمفكرين.

عقب إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتن، في أواخر الحرب العالمية الثانية، وبعد الدمار الهائل الذي خلفته هذه الجريمة والتي مازالت آثارها تتناقل جينياً من جيل إلى جيل في أوساط اليابانيين حتى اليوم، استشعرت اليابان عقدة النقص لتنهض كما تبدو حاليًا. الياباني يتعلم جيدًا، يكد ويعمل بلا شفقة، ينجز أعمالًا عملاقة ومع ذلك يبدو متواضعًا ويطمح لما هو أكبر، يشعر أن الطيار الأمريكي بول تيبيتس أخفض رؤوسهم، وأن ضوء القنبلتين خطف أدمغتهم، وهاهم يتحركون للتحرر والبناء ولا سبيل للانتصار على لحظات التفوق الأمريكي غير الكد، غير التعليم والعمل، لننظر إلى أنفسنا من خلال المقارنة الواردة في كتاب "العرب من وجهة نظر يابانية".

في كتابه شروط النهضة، لمالك بن نبي، ركز على المناقشات في المقاهي والأماكن في صفوف الجزائريين، وكيف أن الانشغال بمشاكل اجتماعية مهمة كانت تمهيدًا للتحرر من الاستعمار، قبيل هذه الفترة كانوا يناقشون مشكلة التعليم.

مشكلتنا القادمة هي التعليم..
بسبب الحرب انقطعت رواتب، دمرت مدارس، استشهد طلاب، نزح معلمون...

كان التعليم هشًا والدراسة مغالطة، وإذا لم نتدارك الأمور، فستخلق مشكلة في صفوف الآلاف من الطلاب، مخرجات هشة وأخلاق خالية من قيمة الاحترام.
بكل تأكيد كانت هناك مبادرات وحركات تطوعية، لكنها لن تغطي اليمن كله.

بخصوص مدرستنا منذ أعرف نفسي ، وأنا أسمع الكبار وهم يناقشون مشكلة التعليم، وللأسف كلما جاءت سنة تدهور التعليم أكثر.

وكلما تدهور التعليم ضاعت الأخلاق وضاع الاحترام بين الناس، كان للأستاذ هيبة، وكان المدير إذا مر بسيارته من طريق بحث الطلاب الهاربون على مخابئ.. كان الصغير يحترم الكبير، وينظر بوقار لمن يعلمه، حتى وإن اختلف معه سياسيًا أو وقعت بينهم مشاكل على شبر أرض.

تحركنا كشباب خلال هذين الأسبوعين ونزلنا للمدرسة، لنحصي فئة من الطلاب، من الثالث وإلى السادس الابتدائي، الذين وجدناهم يفوق عددهم 160 طالب وطالبة، ثم وضعنا معيارًا لمن هم بحاجة إلى تأهيل، التأهيل ليس في جانب المواد العلمية، وإنما في مجال تعلم القراءة والكتابة.
من 160، لدينا 34 فقط، 34 هم من يستطيعون القراءة بلا مساعدة!.

قسمناهم إلى ذكور وإناث، وتبرعنا بمبالغ ضئيلة للتعاقد مع معلمين للقراءة والكتابة، ولأن المبلغ ضئيل جدًا، فقد كانت البداية لتعليم الطلاب، على أن نجهز لدورة مماثلة للطالبات، استهدفنا في البدء 60 طالبًا وحمسنا أولياء الأمور خوفًا من أن نفشل، لكننا فوجئنا بعدد هائل وأسماء لم يكونوا في الحسبان ولم نشاهدهم في المدرسة، الحاضرون الذين يدرسون الآن في دورة تقوية وتعلم القراءة:94 طالبًا، هؤلاء من الثالث إلى السادس الابتدائي فقط، علمًا أن مدرستنا من أصغر مدارس العزلة.

من الصعب جدًا تحميل أي طرف سبب تدهور التعليم، لا الإدارة ولا المعلمين ولا أولياء الأمور، السبب الأوضاع، والتشرد..

بما أن هناك تعافيًا في بعض المناطق، وخاصة التي بدأت تنتظم في صرف الرواتب، فلا بد من حلول عاجلة، لابد للمدرسة  أن تستعيد دورها، وللشباب تحديدًا أن يبتكروا الأفكار لإعادة تأهيل إخوانهم وأخواتهم بشكل مستعجل..
أسمينا فكرتنا "مبادرة نون".. ونعمل بإمكانيات محدودة بحماس الشباب، وهناك أمل كبير في التعافي..

هل كتبت هذا، لأقول لكم أننا "حانبين" برواتب المعلمين والمعلمات الذين تعاقدنا معهم لتنفيذ فكرتنا؟
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر