العبث في تعز


سلمان الحميدي

كان أهم ما يعرقل الشرعية ويشوهها في تعز: العبث الأمني.
 
المناطق المحررة اتسعت تدريجيًا، ثم توقفت، ليظهر أداء الشرعية مختلًا وهي تحاول ضبط الملف الأمني داخل المناطق المحررة، لتأمين ــ الأفراد الذين يتوجب عليهم الذهاب للجبهات ـ على الأقل، تأمين من الخيانة والغدر، من الرصاص الآتية من الظهر، وتلك المنطلقة من مجهول ملثم يركب أحيانًا دراجة نارية.
 
خطة "القلاقل" ظهرت باستهداف أفراد الجيش الوطني، رقم الاغتيالات داخل المدينة مهول، هذا الانفلات بالطبع رافقه جرائم قام بها أفراد محسوبون على الجيش نفسه، وهم ما باتوا يعرفون داخل المدينة بـ "المفصعين"، وهي تسمية شعبية على الجبان الذي يستعرض قوته على الضعفاء العزل.
 
العبث الأمني كان مخططًا له، وممولًا من أطراف يفترض بها أنها تعمل مع التحالف العربي، وحين بدأت الأصابع الدولية تتوجه مباشرة نحو الجهة التي شكلت مظلة للعبث، كان لابد من القيام بخطوات فعلية للتخفيف من حدة التهمة على تلك الجهة لتعلن خروجها من داخل المدينة.
 
كل ذلك يمكن تناوله من زاوية علم الاجتماع أيضًا، حيث أن أي حركة تنقل من مكان لآخر لابد أن يرافقه تأثير على شكل الحياة، الدارسون لعلم الاجتماع يعرفون ذلك: الريف محكوم بعصبية القبلية والعادات، فيما المدينة يحكمها القانون، حين تحدث عملية نقل من الريف للمدينة، سيحدث قليل من العشوائية والفوضى، تنصهر تدريجيًا، لتعود المدينة إلى طبيعتها.
 
هذا ما يحدث في مختلف أنحاء اليمن.
وعلى سبيل المثال: في تعز كانت عملية التنقل من الريف للمدينة، وتحديدًا حركة التجنيد داخل الجيش الوطني إذ هب الريفيون للدفاع عن المحافظة، التأثير النفسي للحرب كان عاملًا مهمًا ليظهر بعض الجنود بتصرفات غير مدنية، كأن يحدث قطع شارع جمال لعدم الترقيم أو عدم صرف الرواتب، أو التكتل المناطقي لنبدأ سماع نبرة مثل: الشراعبة، الأصبور، أبناء جبل حبشي...إلخ.
 
العامل الاجتماعي كان مساهمًا في تطويل فاعلية خطة العبث..
وكما يرى الطلبة الذين ينهلون من بن خلدون، فإن ما يحدث أثناء عملية التنقل من الريف للمدينة يتلاشى تدريجيًا حتى يندمج هؤلاء مع قانون المدينة.
 
يحسب لتعز أنها صمدت في وجه مؤامرة ليست بالهينة، ومع خروج كتائب مثل ـ العباس ـ اختفت عملية الاغتيالات، بل إن أبو العباس صار يواجه أشخاصًا مطلوبين أمنيًا كانوا يعملون تحت مظلته، بغض النظر عن الدوافع، فإن هذه الخطوة، ظاهريًا تحسب له.
 
بدأت الشقق تزدحم بالسكان، والنازحون يعودون لبيوتهم، الأفراد يتعلمون، وموازاة مع الدينامكية في المدينة، بدأ الملف الأمني يتحرك نحو الانضباط وإن ببطء شديد، وبدأت تظهر مشاكل بيئية، حيث السائلة امتلأت بأكداس القمامة، والناس ـ لا شك ـ مفعمين بالقلق نتيجة تلوث الهواء.
ومع ذلك، مازال الملف الأمني شائكًا، وهو الثغرة التي سيتسلل منها العابثون، ربما بخطة جديدة، تعتمد تدريجيًا على الخلايا، والدعم غير المباشر لبعض الاختلالات، حتى بدأ يظهر للسطح أعمال غير أخلاقية مثل: الاغتصاب. وإن كان من المستحيل الجزم أن أحد المغتصبين المجرمين قد تلقى دعمًا ليقوم بعملية شنيعة مع طفل معاق.
 
ما تحتاجه تعز الآن، يقظة على الصعيد الأمني، وتحريك العمل العسكري دون إغفال عن تحركات من كانوا أدوات للخطة الأولى. مؤسسة قوية لشرعية تقط المسمار، وستكون دولة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر