ثورة فبراير .. تصحيح أم إعادة تموضع


وسيم القرشي

 يدور جدل مكثف حول تقييم ثورة فبراير في ذكراها الثامنة، بالنظر الى مآلاتها وما أصبحت عليه اليمن اليوم. وتقام نقاشات مطولة حول ما حققته وما لم تحققه؛ ما اصابت فيه وما أخطأت؛ وهل كانت صوابا محضا أم خطيئة كبرى؛ او وفقا للبعض ربما كانت ثورة صحيحة ارتكبت اخطاءً.
 
ولَم يعد الجدل، والمواجهات، مقتصرا على طرفين: الطرف المتضرر منها- والذي يعتبرها كارثة ويمثله بقايا نظام صالح الذي قامت الثورة بإسقاطه؛ والطرف الذي يحتفل بها- ويمثله غالب قوى وشباب ثورة فبراير. بل أن اللافت مؤخرا، أن بعضا ممن كانوا يعلنون انتماءهم اليها، أصبحوا ينتقدون مسارات ثورة فبراير، ويلقون ضمنيا باللوم عليها، استجابة لتأثير الوضع الصعب الذي تعيشه اليمن، أو ربما لأسباب اخرى.
 
وللخوض في هذا الجدل؛ نحن أولا أمام أسئلة اجبارية يحتاج كل من يريد أن يقيم ثورة فبراير الإجابة عليها.
 
هل مر الزمن المنطقي في تاريخ الثورات، ليتم تقييم ثورة فبراير في هذا الوقت الذي نخوض فيه جدلا حول نجاحها أو فشلها؟!
 
 اذ من خلال دراسة تاريخ الثورات، نجد أنه وفي مرحلة تعثر ما لثورة، يعتبرها المتأخرون ثورة عظيمة وناجحة، مثل الثورة الفرنسية، أو حتى ثورة سبتمبر اليمنية، كانت هناك مرحلة تعثر جاءت بعد هذه الثورات بسنوات، وظهر خلال هذه المرحلة من ينتقدها ويصنفها على أنها فاشلة، وأدت الى نتائج سيئة. لكن مع تغير الاحداث- والذي غالبا ما يكون لاحقا لكنه مرتبط بالجزء الذي انجزه انطلاق الثورة- يعود الحديث عنها كثورة عظيمة فتحت الباب امام التغيير الكبير.
 
اعتبر البعض، في الستينات، ثورة سبتمبر- وبسبب استمرار الحرب في اليمن- غير ناجحة وتحتاج تصحيح. واعتبرها أبناء الثمانينات والتسعينات ثورة عظيمة، لانهم تعلموا في مدارسها وجامعاتها بعد مرور عشرون عاما عليها. وقد يعتبرها الجيل القادم فاشلة لأنها منحت الاماميين فرصة البقاء والاستعداد الطويل لانقلاب 2014.
 
وتساؤل آخر: هل الثورة في اليمن، أو في تاريخ الثورات عموما، فعل منظم يتخذ قراره مجموعة من الأشخاص ويحددون لها موعد وشكل ومكان ليتم محاكمة زمانها وشكلها ومكانها لاحقا؟!
 
 اذ من المعروف أن كل الثورات فعل تلقائي، بدوافع تتحول إلى أهداف يلتقي عليها الثوار دون تخطيط مسبق. وعليه، فإذا كان هناك من تقييم، فيجب أن يكون لأهدافها ودوافعها، وليس لمآلاتها القريبة. ولَم نجد يوما ثورة قام بها شعب لأهداف باطلة، أو بدوافع مريبة. فذلك شأن الانقلابات لا الثورات.
 
ثم انه، ومن منطلق الدوافع التي تؤدي الى الثورات بشكل تلقائي؛ ألا يمكن اعتبار من تقوم الثورات عليهم، هم صانعوها الأوائل، بصناعة أسبابها. وبالتالي هم فعليا من يجب محاسبتهم على نتائجها.
 
إن لوم المظلوم على ثورته ضد من ظلمه، هو نفاق رهيب. ومطالبته بأن تكون ثورته وفق الشروط والضوابط، هو مثالية مبتذلة.
 
إن هذه التساؤلات، ويبقى مثلها الكثير، كافية بأن تشكك بواقعية الجدل حول مبدأ تصحيح الثورة، وكأنها ارتكبت اخطاءً. وتعري أي نقاش يقوم على مفردات مبنية على فكرة خطأ الثورة. يمكن أن تكون الثورة خطأ، إذا قامت لأهداف غير صحيحة ضد نظام كان على حق. وهذا ليس صحيحا في حالة ثورة فبراير اليمنية.
 
ثورة فبراير، لم ترتكب أخطاء، بل كانت مكتملة وعظيمة بأهدافها، وبالتقاء أبناء الشعب اليمني حول هذه الأهداف. الوضع الحالي الصعب الذي تعيشه اليمن، ليس ما أرادته ثورة فبراير أو ثوارها، بل جاء نتيجة الانقلاب عليها. والانقلاب على ثورة، لا يجعل منها خطأ يوجب تصحيحه. الانقلاب الذي كان فعلا مضادا للثورة، هو الخطأ، وانتصاره المؤقت على منجزات الثورة، بفعل دعم كل القوى المحلية والإقليمية، لن يجعله صوابا ابدا.
 
غير أن اعادة الانتصار لأهداف الثورة، لا يمكن أن يتحقق بالاستمرار في مسار تم التآمر عليه لإفشاله. ودون الحاجة لإدانة هذه الثورة العظيمة، بإعلان أن بها أخطاء تحتاج الى تصحيح، يمكن القول أن الحالة الراهنة تدفع- واقعيا- ابناء الثورة الى إعادة التموضع وفق الواقع الذي فرضته الثورات المضادة. وهو أمر طبيعي في أي معركة تتغير فيها المعطيات والوقائع يوميا.
 
الواجب الأكبر على الثائر، الذي يؤمن بعدالة ثورته، أن يعيد ترتيب أولويات فعله الثوري وتوجيهه وتغيير آلياته وفق مبدأ ثابت، وهو: أن الثورة مستمرة، وأهدافها البعيدة لا تتغير، وأن وسائلها وتكتيكاتها يجب أن تتطور لتتلائم مع الوقائع التي تغيرت. وهذا تماما ما فعله شباب الثورة الصادقون بإيمانهم بثورتهم. الذين خرجوا سلميا وبصدور عارية إلى الساحات في 2011 لإسقاط نظام سياسي، ثم تحولوا للقتال في ساحات المعارك، عندما أصبح التحدي أمام ثورتهم انقلابا مسلحا.
 
أخيرا، أجد من الطبيعي أن يكون أعداء ثورة فبراير، ومنتقديها، من أتباع نظام صالح. لأنهم فقدوا المصالح التي ظلوا يستأثرون بها دون باقي الشعب. لكني لا أجد لمن ينتقد ثورة فبراير، وقد كان يدعي أنه أحد ابناءها، سوى تفسير نفسي؛ فالشخصيات المتذبذبة، والتي دعمت الثورة في لحظة توقعات شخصية عالية دون الإيمان الحقيقي بما تقوم به، قد تقوم بنقد العمل الذي قامت به، كحالة هروب وجبن في مرحلة التعثرات. وهذا النوع دائما هو الأشد مزايدة في حالة الانتصارات.
 
كما أن نقد الفعل كله، والذي كان شريكا فيه، يمثل حالة من التعالي المشين على شركائه في الفعل. حيث أن الناقد دائما ما يريد بنقده أن يفهم الآخرون أنه أكثر كمالا من كل هؤلاء المذنبين. وانه، بشكلٍ ما، كان صاحب رؤية مختلفة.
 

- وسيم القرشي، هو المتحدث الرسمي للجنة التنظيمية للثورة اليمنية 2011
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر