الشرعية.. يد تفاوض ويد تستجدي


منذر فؤاد

 مضى أكثر من شهر على توقيع اتفاق السويد بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، ولم ينفذ الحوثيون حتى الآن أيا من بنود الاتفاق، بينما تواصل الأمم المتحدة جهودها لتحويل الحديدة إلى مدينة تحت الوصاية الدولية، عبر سلسلة من الخطوات آخرها استصدار قرار من مجلس الأمن بنشر 75 مراقبا في المدينة بدعوى مراقبة تنفيذ الاتفاق، ما يشكّل عائقا أمام أي عملية عسكرية محتملة لتحرير المدينة.
 
تفتقر السلطة الحاكمة إلى الاستقلالية في اتخاذ القرار، في ظل مصادرة تحالف دعم الشرعية للقرارين السياسي والعسكري بنسبة كبيرة، من خلاله تدخله في عمل الحكومة والسلطات المحلية في المناطق المحررة، وإصداره التوجيهات المباشرة للوحدات العسكرية دون التنسيق مع السلطة الشرعية، كما حدث في معركة الحديدة عندما أصدرت الإمارات أوامر للوحدات العسكرية بوقف المعركة.
 
في الحالة اليمنية، لا يمكن التعويل على الحوثيين في تنفيذ أي اتفاق سياسي، وتاريخهم مليء بالشواهد على هذا الأمر، وهذا يحتاج من السلطة الحاكمة مواصلة العمل العسكري، وتفعيل الجبهات على أرض الواقع وليس عبر شاشة التلفزيون.
 
الدول التي تحترم شعوبها، لا يمكن أن تراهن على سلام مع عصابات متمردة، فضلا عن التفاوض عنها، لكن أنّى لشخصية ضعيفة مثل هادي أن يقتنع، وهو الذي صرّح دون خجل أن الجيش كان لديه الإمكانية لطرد الحوثيين من الحديدة لكنه فضّل إعطاء فرصة لتسليم المدينة بطريقة سلمية!
 
هناك مقولة مشهورة ربما أضحت قاعدة في مسألة المفاوضات بين طرفين متنازعين، وهي : يد تقاوم ويد تفاوض. لكن الأمر يختلف بالنسبة لموقف الحكومة الشرعية،  فأصبحت لها يد تفاوض ويد تستجدي الأمم المتحدة لإجبار الطرف الآخر على تنفيذ ما أسفرت عنه طاولة التفاوض من اتفاق مرحلي.
 
المشكلة هنا، هي أن طاولة المفاوضات أصبحت بالنسبة للحكومة الشرعية هدف وليس غاية، وكأنها الطريقة الوحيدة لحل الأزمة، وهذا غير منطقي، فما فقدته الحكومة في ميدان المعركة لا يمكن أن تستعيده عبر طاولة التفاوض، فالتفاوض السياسي يجب أن يكون انعكاسا للواقع الميداني، ومن يسيطر على الأرض يسيطر على طاولة المفاوضات وليس العكس.
 
إن التعامل مع الاتفاقيات المرحلية والالتزام بها بشكل مطلق دون اعتبار للتطورات المرتبطة بها، وعدم التزام الطرف الآخر ببنودها، هو أمر يدخل ضمن الغباء السياسي، لا الحنكة السياسية والالتزام الأخلاقي، ومن يتتبع أحداث التاريخ يجد أن كثير من الاتفاقيات السياسية لم تكن سوى إجازة حرب متفق عليها لبعض الوقت، وفي أحسن الأحوال تعهد مكتوب ينفذه الطرف المنهزم عند الحاجة إليه.
 
هل كان للثوار الفيتنانيين أن يظفروا بالانتصار على الولايات المتحدة وحلفائها جنوب فيتنام في 1973 لو أنهم اعتمدوا فقط على طريق المفاوضات دون توجيه الضربات العسكرية الموجعة للولايات المتحدة وحلفائها المحليين؟ وهل كان لحركة طالبان أن توسع نفوذها ليشمل نصف مساحة البلاد خلال 2018 لو أنها خضعت للرغبات الأمريكية بوقف العمليات العسكرية والسير في طريق المفاوضات؟ ثم ألم يستخدم نظام بشار الأسد اتفاق إستانا الموقّع في 2017 كوسيلة لتخدير المعارضة المسلحة والانقضاض عليها في الغوطة ودرعا، بمباركة روسيا الراعية للاتفاق؟
 
إن التجارب التاريخية تخبرنا أن الطريق إلى التحرر والحرية، مر عبر فوهة البندقية، وأن المفاوضات لم تكن سوى مرآة لشرارة هذه الفوهات، فليس من اللائق هذا الاستجداء من طرف السلطة الشرعية للتعويل على التفاوض وهي تملك القوة العسكرية، وليس من اللائق تجريب المجرب، وتكرار الخطأ أكثر من مرة، ولا يليق  بسلطة تمثل الشعب أن تتحول إلى مقاتل يلقي سيفه ويدير خده ليتلقى الصفعات!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر