من نشجع؟


سلمان الحميدي

كنت أظن أن "ع" بعيدًا عن الواقع وأخباره، عن السياسة والدبلوماسية، عن الأوضاع العامة تمامًا، كبعده عن علاقات الحياة الاجتماعية. هو يعيش وحيدًا، ارتضى هذا الشكل المعيشي من زمن طويل، ورغم أن عمره يتجاوز الخمسين إلا أنه متحمس في متابعة الرياضة وأخبارها.

في القرية انقسم الجمهور إلى فريقين في عملية التشجيع، أحيانًا يكون الانقسام لغرض "تحمية المجلس" في الشتاء القارس، لكنه أحيانًا يكون انقسامًا حقيقيًا يصل إلى المراهنة، "ع" يطرح ساعته أثناء المباريات كرهان، إن خسر الفريق الذي توقع له بالفوز فلنصادر ساعته، هي ساعة عادية بإطار متسع، حجمها الكبير يزدها فخامة وأبهة ما جعله يظن أن غالية الثمن، لقد حصل عليها كهدية من مغترب في السعودية، وهو يخلعها أثناء الوضوء من باب الاحتياط، ربما تشرب.

أنا من يستلم الساعة، وهذا شرف كبير أن أحصل على ثقة الرجل المرتاب دائمًا، وهو ينبهني أثناء كل هجمة: انتبه من الماء.

انقسم أبناء القرية تحديدًا فيما يتعلق بالمجموعة التي تضم السعودية وقطر، الحديث عن بطولة كأس الأمم الآسيوية التي تقام في دولة الإمارات، تم خلط الأوراق السياسية بالرياضية حسب التعليقات التي يدلي بها المشجعين بين لحظة ولحظة، بدأ الرهان في يوم الاثنين على المباراة التي ستقام في يوم الخميس بين المنتخبين السعودي والقطري.

بعض الشبان، إن لم يكن معظمهم آثروا تشجيع السعودية والبعض الآخر قام بتشجيع قطر، حالة صحية لا تخرج عن نطاق روح الرياضة، في يوم الاثنين تم استلام ساعة ع الذي دخل في جدال وصياح مع شاب يشجع السعودية، كان الرهان مغريًا: على كيس قات سيدفعه الشاب ل ع إن فازت قطر، أو ستصادر الساعة إن فازت السعودية، ولما تمثله الساعة من أهمية لرجل يرى أن الزمن يداهمه، فقد راجع موقفه، بأنه سيرهن الساعة إن فازت السعودية ويشتري كيس قات لذلك الشاب!.

عرفت أن بعض الشباب يتابعون الدوري السعودي، ربما لأنه مازال يبث في القنوات المفتوحة، يعرفون الكثير من اللاعبين، وفي كل مرة يذكرون سالم الدوسري ويراهنون عليه، من سالم هذا الذي لا أعرفه؟ فيتذرعون: حتى نيمار قال عنه وقال وقال...

لم يمتلئ المكان في أي مباراة، ولم تحضر الجماهير إلى مجلسنا كما حضرت يوم الخميس.

العلاقة المتأزمة بين الخليجيين جعلتنا نخمن أننا على وشكل مشاهدة معركة على أرض الميدان لا مباراة كرة قدم، سنشاهد جيشًا أمام جيش، كر وفر، ومثار النقع فوق رؤوسهم وكراتهم قذائف تهاوت مثل الكواكب.

حتى المعلق نفسه، كان يحمل التخمين ذاته، وقد تمنى في بداية اللقاء ألا تخرج المباراة عن الروح الرياضية والأخلاق.

كان الأكثرية متعاطفين مع قطر، لا لشيء عدا كونها دولة تلعب بلا جمهور نتيجة القطيعة بين الدولتين الخليجيتين الشقيقتين، في المباراة الأولى حملت امرأة كورية العلم القطري في المدرجات، لكنها غابت في المباراة الثانية.

بدأت القلوب ترجف مع صافرة البداية، وبعكس التخمينات تصافح اللاعبون فيما بينهم، ورأينا أحد اللاعبين السعوديين يمد يده إلى لاعب قطري سقط على أرضية الملعب.. وإجمالاً كانت المباراة هادئة على عكس جميع التوقعات.

لقد فازت قطر بهدفين، وذهب الشاب قبل نهاية المباراة، وابتسم "ع" بهذا الفوز، ورفع يده إلى السماء، وهو الذي خرج حانقًا عندما كنا نشاهد مباراة اليمن وفيتنام.

تعجبنا من سروره، لكنه أوضع وهو ينفض الاسمنت عن شاله ويضعه على كتفه: زعم إنكم ما انتمش داريين مو عملت بنا السعودية والإمارات.

أحدهم رد عليه: كلهم سوا.. لو كانت قطر صدق، اشتصرف لليمنيين خمسة مليار دولار بمناسبة هذا الفوز.

أما نحن القاعدون في مجالس الفرجة، فلم نأمل أكثر من أن يتحلى الخليجيون بالروح الرياضية في كافة المجالات.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر