بائـعة المناديـل


اسماء هادي

  استوقفتني ذات نهـار على حين غفلـة طفلةٌ بعينيْ امرأة، وثبت أمامـي وكأنها اصطادت فريسة ما. طلبـت أن أبتاع منها منديلا نظَرت لي برجاءْ. لُطفاً يـا خالة أخذت المناديلَ ومضيت أجوب شوارعَ صنعــاء ما هـذا الألم المنثور عمداً فيْ طرقات الفقراء. اللعنـة التي أصابتهُم وكَتب الله عليُهم العنـاء.ْ هل يـا ترى يعُلم الأطـفالُ أن لهُم قدرّ حافلٌ بالعطَاء؟
 
تعمـدتُ متابعةْ سيري خلف تلكَ الفتَاة ما زالـت تمسـك المناديـل بيديها المتسخة التي تحاول عبثا تنظيفها طالما هي تعمل في الشوراع. تمسحها مراراً بينـما هي تنظـر للأطفال يعودون منَ المدارسِ فتكتب بالرمْـلِ ألف و بـاء.

تهرب بوجهها عنهُم وتقف شاخصة أمام معارض الثياب تعض على أناملهـا وتعيْد عدَ العملاتِ النقديةِ التي تعرقتْ في كفهاْ الصغِيرْ تباً لا تكفيْ هذه النُقود لفستانٍ جميل ولا لحذاءٍ أنيق ولا حتى لدميةٍ قطنية لا تكفي للقمةٍ شهية.
 
ليال برائحة الشقاءْ في جميـلتنَا صنعاء

البـرد قارس الليلة، والطرقـات المظلمة تفـوح بالخبـث والخـوف. قـد تكـون الآن تستجمـع شتاتـها كي تغفـو تحت جسـر ما فوق رصيف ألين من أفئدة البشر الذيـن ينامـ أطفـالهم فوق الأسرة الناعمـة.
البرد ينهش أطرافها التِي تحاولُ عبثا تدفئتها..

سحقاً...أين ينامُ أطفالكمُ الآن وهيَ ترجو أن تغفو أو أن تنام؟

العدلُ يحتضرُ مع شهيق أنفاسهـا المرهقة، والغضبُ الإلهي يستمع لحديثها البريء والإنصاف أمام أشباهها توفي منذ زَمن.
 
بائعة المنديـل تنهض فزعةٌ تركـضُ بعدَ سماعِهاْ لأصواتِ الكلابِ الشرسةْ التي هجمـت على صديقة لها من قبـل فيأكل قلبهـا الخوف. تدوسُ بقدماها العاريتين على الزجاجِ الذي القى به رجلٌ من سيَّارةٍ فارهة. احتمتْ بائعةُ المنديلِ داخلَ بنايةٍ مهجورةْ تمسح الدمعَ والدماء التي خلفتها تلكَ الزجاجـة. كانتْ تبكْي بحرقة ليسَ خوفاً ولا ألم. كَانتْ قدْ فقدت مناديلهاْ الورقية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر