وجه من أوجه الانقلاب


همدان الحقب

 
إنه الفساد المنفلت، والظلم المقنع بقناع القانون المهدور..
 
تداعت الدولة بمختلف مؤسساتها بعد الانقلاب، وفقدت هامش الأخلاق الذي كانت تتمتع به. هذا التداعي أصابها بشكل مباشر وأفرغها من دورها المهني والأخلاقي، وعمل على دفعها باتجاه التكيف مع واقع مختل جديد، تشكل وفق أخلاق كارثة الانقلاب، واستمر معه حتى اليوم، ناخرا في عمق جسدها الهش والمريض.
 
هذا طبعا لا يعني أن مؤسسات نظام صالح كانت تتمتع بالقدر الكافي من المهنية والأخلاق التي تتكئ عليها. وإنما، كما أسلفنا سابقا، بالنذر القليل منهما، على الأقل لمنع الظلم بشكله المهول الذي بدى عليه بعد الانقلاب..
 
في مرحلة الثورة السلمية، وبعد إزاحة رأس النظام، بدأت تتسلل الثورة إلى مؤسسات الدولة على شكل انتفاضات قام بها كوادر وموظفو بعض الوزارات في وجه القائمين عليها من الفاسدين. نجحت هذه الانتفاضات، أو الثورات، بشكلها المؤسسي في الإطاحة بالكثير من عتاولة الفساد. وكانت ترافق كل انتفاضة الكثير من شعور الثقة بالنفس لدى الثائرين، بقدرتهم على تطويرها وتجفيف منابع الفساد فيها ما داموا قد نجحوا في إزالة من حالوا دون هذه الأهداف طويلا.
 
مع الانقلاب حدث العكس تماما. فقد مالت هذه المؤسسات، بما حوته من كادر وموظفين، باتجاه رياح رغبة الحوثيين في الفساد المطلق، الذي لا يتوقف عند حد.
 
نهب الانقلابيون أموال الدولة باسم مؤسساتها التي كانت قائمة سالفا، بعد أن جرى تطويعها وإطلاق يدها على الفتات. بينما امتدت أيدي قياداتهم إلى احتياطي البنك المركزي وعائدات مؤسسات الدولة الإيرادية الوافرة... ثم عمل الحوثيون على إفساد القضاء من أجل إضفاء طابعا قانونيا لفساد مشرفيهم الذين تعّسفوا الناس وأثاروا الخلافات بين المالكين ودفعوا من يدّعي حق الغير، ليحتكموا في النهاية إلى قضاة فاسدين ومسنودين بمليشيا جشعة. قضاة تم صهرهم وإعادة تشكيلهم كأدوات فساد ينحازون لمن لا يملك الحق وفق اتفاق اقتسام ما يتم سلبه من حقوق الناس..!!
 
من لم يكن من أصحاب الحظوة في احتياطي البنك المركزي، أو عائدات مؤسسات الدولة الإيرادية، فُتِحَ له الأفق للإثراء على حساب أملاك المواطنين. والذين هم في الغالب ممن انحازوا للمقاومة وواقعين تحت سلطة الأمر الواقع للمليشيا.
 
توزعت هذه المنهوبات كحصص بين مشرف قاتل، وقاضٍ فاسدٍ، ومتحوثٍ دنيء دُفِعَ به ليدّعي حقا ًباطلاً في نهب حقوق الغير.
 
إن مظالم الناس كثيرة، وهم ينتظرون عودة الشرعية لترفع عنهم غبن ومظالم أقطاب عصابة النهب والسلب والقتل والتشريد.
 
أشعر بمن أصابهم هذا القهر، وهم يعدون الساعات والأيام لشروق فجر العدالة، بقدوم الجيش الوطني وجرف لصوص التاريخ. فهل أخذنا هذا البعد في حساباتنا، وفكرنا كيف، وبمن سنفرض العدالة، ونرفع الغبن عن كاهل ضحايا مليشيا الانقلاب وأدواته؟!
 
كثيرٌ من القضاة أقرب للمفسدة، إن لم يكونوا هم المفسدة ذاتها. قضاة قبلوا أن يكونوا أدوات لأكل أموال الناس بالباطل. جدير بالشرعية استبدالهم ومحاكمتهم بما اقترفوه من فجور الظلم والاحتيال.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر