اليمن وصنّاع المكائد


محمد علي محروس

في الطريق إلى تعز تنتشر عشرات النقاط التابعة للحوثيين والحكومة الشرعية، يسألك الطرفان عن المكان الذي أتيت منه، والوجهة التي تريد الذهاب إليها، وثمة تساؤلات أخرى: عن سبب مجيئك، والأيام التي ستقضيها، وأين؟

وسيطلبان منكَ وثيقتك اليمنية أو أي وثيقة تعريفية أخرى تمنحك تأييدًا للعبور، ما لم فإنك ضمن قائمة الشك، التي سيكون مصيرها مرتبطًا بتحقيقات استثنائية إن تجاوزتها فإنه يمكنك أن تعبر، وتتكرر المواقف من نقطة إلى أخرى، إضافة إلى اختلاسات مالية تحت مسميات ابتزازية لا تنتهي.. هذه صنيعة الحرب!

على امتداد الخارطة اليمنية، تستبيح الطائرات التابعة للتحالف العربي أجواء البلاد، باحثةً عن جماعات مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي، وعلى حين غرة، فإنها لا تستثني قصف المدارس والأسواق وصالات العزاء، بحثًا عن مسلحي جماعة الحوثي، وإن كان المستهدف طقمًا على متنه مالا يتجاوز العشرة، فإن الضحايا بالعشرات، في جرائم حرب لا يمكن تصنيفها سوى في إطار الفتك باليمنيين.

لا نبتعد كذلك عن المتسبب الآخر في المأساة القائمة، فالحوثيون كذلك انتشروا كالنار في الهشيم، وانتزعوا كل ما له صلة بكرامة اليمنيين، ووزعوا الموت حيثما ذهبوا، غير آبهين بالكوارث الناجمة عن ذلك، فالمهم أن يحصلوا على ما يريدون، وأن يحوزوا على تقييم من خمس نجوم من قبل اللاعبين المؤيدين لهم في معركتهم ضد الإنسان اليمني.

طائراتٌ تهرع للإنقاذ فتنحاز عن مهمتها الفعلية، وأسلحة جيش حديثة، سُطي عليها بين ليلة وضحاها في إطار معارك وهمية عاقبتُها نهش مؤسسة الجيش، واستخدامها في اقتتال داخلي ضحاياه عشرات الآلاف، وعلى حدود تلك الجرائم فريقان مؤيدان، يصفق كل منهم لمقاتليه كلما أحدث جريمة... فغريزة الانتقام مُذكاة، وصنّاع المكائد لا يكشفون عن هوياتهم!

هكذا تعيش اليمن، على صفيح ساخن، عنوانه الفوضى الخلاقة، إذ تتحكم منابع الإيدلوجيا، والانتماءات الضيقة، والتعقيدات الاجتماعية بتفاصيل الحياة، سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، والقائمة تطول، لتؤكد فعلًا: أن النار التي كانت تحت الرماد نشبت؛ لتحرق كل شيء جميل، بما في ذلك كل مكتسبات البلاد التي ضحى من أجلها الأنقياء، في سياق حقب زمنية من النضال والكفاح الخالد، على رأس تلك المكتسبات: مخرجات الحوار الوطني، ولا مهام للنخبة، وغالبية صانعي الرأي سوى امتهان فن صناعة المكائد، لتبقى اليمن معلقة في أتون صراعاتها التي لا نهاية لها.

لا يوجد من يعمل لأجل اليمن إلا أقل القليل، وهم في حكم النادر، قيمتهم في كونهم يغردون خارج سرب المصالح الضيقة، والحسابات المعقدة، والأجندة المفروضة من أطراف ولاعبين ذوي مآرب في اليمن، كدولة يتم استخدامها كرتًا رابحًا ضمن إدارة صراع إقليمي لأولئك اللاعبين، بمباركة ومساهمة عملية من المنفذين اليمنيين، الذين لا هم لهم سوى التربح، ولعب لعبة السلطة، التي يتفاخرون من خلالها كونهم أدوات لا يحق لها حتى تقرير ما يعينهم على فعل أتفه الأشياء.

إننا في إطار بوتقة من التناحر البيني، أوكته أيدينا، لذا نجني ويلات العذاب المتنوعة، بكامل إرادتنا؛ طمعًا في صناعة المكائد للطرف الآخر، وهكذا يفعل الطرف المقابل، والضحية هو نحن اليمنيين، أما أدوات الصراع، فمنهم من أصبح غنيًا مستفيضًا لا يريد للحرب أن تتوقف، ولا لمحطة سلام أن تنجح، ومنهم من غادر البلاد في مناصب دبلوماسية عليا، ومنهم من لجأ إلى دول تقدس الإنسان وتضمن له حقه في العيش حرًا كريمًا، ومن حيث هم يصنعون ويلات الشعب وآلامه، ويجرون البلد إلى محرقة الزوال!

أتألم كثيرًا لحال ذلك التهامي الذي فقد مصدر دخله اليومي ومسكنه البدائي، وبات مشردًا في العراء دون قوت، لا حول له ولا قوة، بفعل الحرب التي انتزعت منه يومه البسيط، ولذلك الريمي الذي يتسلق الجبال على يديه؛ بسبب توقف مشاريع الربط والتعبيد للطرقات وانسداد آفاق البحث عن عمل يوفر عيشًا كافيًا، ولذلك التعزي الذي فقد أسرته كلها ومنزله ومصدر دخله بين ليلة وضحاها بفعل قذيفة غادرة من لاعبين محليين، ولذلك الصعدي الذي وجد نفسه دون مأوى بفعل غارة جوية قيل إنها خاطئة من قوى خارجية نافذة، ولأولئك الذين يفتشون عن الوطن بين جوانحهم، فلا يسمعون له إلا همسا، ولا يجدون سوى حطامه المتناثرة هنا وهناك، ولسان حاله يقول: هذا ما فعله بي صُنّاع المكائد، المنتمين لي هويةً، العابثين بي كما تملي عليهم أهواؤهم، وكما يريد داعميهم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر