في معادلة الحل السلمي هناك ثلاث حقائق أساسية ظلت تشكل الإطار الاستراتيجي الذي يتوقف عليه تخليص هذه المعادلة من المجاهيل التي تجعل حلها مستحيلاً.

في الطرف الاخر من المعادلة تقف جماعة تحمل مشروعاً لاهوتياً لا ينتسب إلى السياسة في شيء، ومنه تنبثق دوغما لا تقدم للتفاهم مع الاخر غير خيار القوة. ومع ذلك لا بد من فتح آفاق للسلام، غير أنه لا بد من استعراض هذه الحقائق الثلاث لندرك المدى الذي ستتسع له آفاق السلام تلك.
 
الحقيقة الاولى:

إن الذي انقلب على السلام بقوة السلاح لا يمكن أن يأتي مرة أخرى إلى السلام، إلا إذا استطعت أن تفرض عليه خيار السلام فرضاً، وأن تسقط خيار القوة لديه، وتثبت بأن اختياره كان خطيئة لا يجب أن يكافأ عليها، وإنما يتحمل تبعاتها، ويعاد للسلام اعتباره كقيمة إنسانية محترمة بما توفره للإنسان من شروط لحياة كريمة.
 
وفي هذا الإطار نكرر أنه ليس من الخيارات الصحيحة في شيء أن يتخلى صاحب القضية والباحث الحقيقي عن السلام عن عناصر قوته في المعادلة، مهما كانت الأسباب والضغوط، لأن ذلك لن يخدم السلام بالمرة، وإنما يصب في المتاهة التي يسعى الانقلابيون أن يجروا إليها الأزمة.
 
الحقيقة الثانية:

إن السلام لا يجب أن يكون تسوية من داخل الامر الواقع الذي يحاول أن يفرضه الانقلاب كمكون أساسي من معادلة الحل، بل يجب أن يكون متواصلاً مع العملية السياسية السلمية التي تم الانقلاب عليها. وباعتبار هذه العملية، مع مرجعياتها الثلاث وشرعيتها الدستورية القائمة، إطاراً موضوعياً لسلام لا يتوقف عند ذاته أو عند الحاجة المؤقتة للنخب، وإنما هدفه هو تحقيق دولة مستقرة ومزدهرة، فإنها ليست شروطاً، كما تذهب بعض القرارات الأممية إلى تفسيرها، حينما يتم التمسك بها من قبل الحكومة بل هي في صلب عملية السلام.

من هنا فإنه لا يجوز التلاعب بهذه المرجعيات، بما في ذلك الشرعية الدستورية، من خلال إعادة بنائها في صيغ ملتبسة لتتضمنها القرارات الأممية اللاحقة وتفقدها قيمتها، أو تلتهمها، بتفسيرات مختلفة عن مضمونها.
 
الحقيقة الثالثة:

هي أن العملية السياسية عملية مركبة كانعكاس للقضية المركبة، أي أنها ليست قضية "بسيطة " بمعنى أنها ليست ذات بعد واحد، فهي قضية بأبعاد متعددة، وإن شئت فإنها قضية تحمل في باطنها قضايا ومنها القضية الجنوبية.

ولذلك فإن السلام لا يجب أن يكون عملية متعالية على المتغيرات السياسية الضخمة التي شهدتها البلاد منذ الوحدة، وما رافقها من حروب وصراعات ومطالب شعبية وتضحيات تصب كلها في خانة أن التغييب المستمر للإرادة الشعبية كان وسيظل الثغرة التي تتسلل منها القوى الغاشمة للإطاحة بأي تسوية سياسية.
 
 أي أن عملية السلام لا بد أن تفضي إلى تعزيز دور الارادة الشعبية في تقرير الاختيارات السياسية من منطلق الانتقال من الحالة النخبوية، التي كرست خياراتها المعطلة لقيام الدولة وحل المشكلات المرتبطة باستقرار هذا البلد، إلى الحالة التي يكون فيها الناس حاضرين لتقرير مستقبلهم وتكون لهم الكلمة العلياء في حل مشاكلهم.
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر